الأبعاد الثلاثة.. طعامٌ مطبوعٌ بدلا من مطبوخ

بانوراما 2023/04/12
...

 إيان سامبل

 ترجمة: ليندا أدور

ربما لم يكن مفاجئا، عندما قرر الباحثون عدم التوقف عند حدود معينة  في الطباعة ثلاثية الأبعاد، بعد أن كانت محاولاتهم لصنع حلوى "كعك الجبن أوcheesecakes " لم تكن ناجحة على الفور. بدؤوا تجربتهم الأولى وكانت الأمور تسير على نحو جيد، لكن مع مضي الطابعة بإكمال طباعة الكعكة تدريجيا طبقة تلو الأخرى، بدأ "الاختراع" ينخفض ويخسف بهدوء قبل أن ينهار تماما ليصبح كومة لزجة.
رغم هذه الانتكاسة المبكرة، واصل المهندسون لدى جامعة كولومبيا سعيهم بإصرار، وسرعان ما بدأت الطابعة بإنتاج أنواع من الحلويات المميزة واللذيذة، التي لا يمكن مقاومتها. 

كان الهدف من هذا المشروع إثبات أن الطباعة ثلاثية الأبعاد- التقنية التي تستخدم أكثر في طباعة نماذج وأجزاء الماكينات- لديها القدرة على إحداث ثورة في عالم الطبخ والمطبخ، من خلال تحويل خراطيش عجائن ومساحيق الطعام الى وجبات قابلة للأكل، وربما، في يوما ما، وجبات مغرية. 


طاهٍ رقمي

يقول جوناثان بلوتينجر، مهندس لدى مختبر الآلات الإبداعية بجامعة كولومبيا في نيويورك، بأن: "كعكة الجبن هي أفضل ما يمكن لنا عرضه حاليا، لكن بإمكان الطابعة صنع الكثير"، مضيفا "يمكن لنا طباعة الدجاج ولحم البقر والخضراوات والجبن، يمكننا طباعة أي شيء يمكن تحويله الى عجينة أو سائل أو مسحوق".  

قد لا يروق مذاق عجينة الدجاج المشوي للكثير من  عشاق الأكل ومحبي حرفة الطبخ، لكن، يرى بلوتينجر بأن الطعام المطبوع في طريقه إلينا، كونه نتاجا ونتيجة طبيعية لدخول البرمجيات الى عالم المواقد وأواني الطهي بالبخار وقدور القلي. "

أرى بأنه أمر مفروغ منه، فما أن تصل البرمجيات الصناعة، لن ننظر الى الوراء، ستدفع بها الى الأمام بطرق لم نكن نعتقد يوما بأنها ممكنة"، يقول بلوتينجر مضيفا "هذا الأمر لم يحدث مع الغذاء بعد، رؤيتنا هي أن نتمكن من مزج طابعة طعام مع آلة طهي تعمل بالليزر، لتكون بمثابة جهاز مطبخ من "محطة واحدة"، ليكون هو الطاهي الرقمي الشخصي الخاص 

بك".

يقول الباحثون في التقرير الذي نشرته دورية "علم الغذاء"، بأن الطابعة ثلاثية الأبعاد تمكنت من صنع قطعة (cheesecake- كيك الجبن) بمنتجات صالحة للأكل من سبعة مكونات مختلفة، هي عجينة البسكويت وزبدة الفول السوداني ومربى الفراولة والنوتيلا ومهروس الموز وصلصة الكرز وكريمة الحشو، خلال وقت لم يتجاوز 30 دقيقة. 

بعد فشل خمس محاولات سابقة لطباعة حلوى الجيز كيك، توصل الباحثون الى الشكل والسُمك المناسبين للطبقات المتعددة للحلوى لمنع انهيارها، وقد عمل الفريق على تذوق جميع القطع المطبوعة، حتى الفاشلة منها، يقول بلوتينجر: "بدا طعمها وكأنها شيء لم يسبق وإن تذوقته من قبل"، مضيفا "لقد استمتعت بها، لكنها لم تكن بالنكهة التقليدية التي اعتدنا عليها، نحن، بالطبع، لسنا طهاة حاصلين على نجمة ميشلان".


عالم الأتمتة

على جميع الصعد، بدءا من مصنعي الأغذية وصولا الى المطاعم والمنازل، فإن الطابعات ثلاثية الأبعاد قد تكون هي الخطوة المقبلة في عالم الأتمتة، التي من الممكن أن تؤدي الى الإستغناء عن المزيد من الأشخاص العاملين في مجالا التحضير والإعداد. 

الى جانب قيمتها الإبداعية، يرى بلوتينجر هذه التكنولوجيا كوسيلة لتمكين الأشخاص من مراقبة السعرات الحرارية والعناصر الغذائية، فضلا عن إطلاق العنان لمخيلتهم الإبداعية الداخلية من خلال إبداع تصاميم جديدة كليا للطعام، التي يمكن مشاركتها كملفات رقمية عبر مواقع التواصل 

الاجتماعي. 

بدوره، يتساءل الفيسلسوف الأميركي أندرو فينبيرج، استاذ فلسفة التكنولوجيا لدى جامعة سيمون فريزر في فانكوفر بكندا، إن كان الطعام المطبوع سيسلك مسار الدراجة الكهربائية، سيجواي (Segway- الناقل الشخصي)، الذي صمم بهدف تغيير المدينة، لينتهي به المطاف الى خدمة عمال المستودعات الضخمة، بقوله: "قد يتبين بأنها أكثر فائدة في المطاعم والمقاهي

حيث يمكن إجراء عملية تعبئة المكونات الغذائية وتحميل البرامج خلال أوقات الركود"، مضيفا "لن يدرك الزبائن الجانب "غير الطبيعي" للعملية، التي قد تربك أو تزعج  المستخدمين المنزليين، فأنا شخصيا لا أتطلع للحصول على طابعة ثلاثية الأبعاد في

منزلي".

يعرب الدكتور دوان ميلور، اختصاصي التغذية والباحث المسجل لدى كلية الطب بجامعة أستون في برمنغهام، ببريطانيا، عن مخاوفه من فقدان العناصر الصحية كالألياف والأنسجة الخلوية الموجودة في الفواكه والخضراوات، خلال عملية هرسها لتسهيل طباعتها، الأمر الذي قد يؤدي الى تراجع معدلات المغذيات الدقيقة مثل الفيتامينات والمعادن، لكنه يرى بأن التكنولوجيا الجديدة ستجد لها مكانا في مكائن البيع قيد التطوير من قبل ناسا لرحلات الفضاء الطويلة الأمد. 


*صحيفة الغارديان البريطانية