ضحى عبدالرؤوف المل
اعتمدت مخرجة مسلسل رشيد “مي ممدوح” على حبكة دراميَّة شكسبيريَّة نوعاً ما كتبها المؤلف وسام صبري، لتنجح في تشكيل المشاهد ذات النكهة المثيرة فنياً، لغموض تجعله بؤرة دراميَّة بصريَّة مختلفة من حيث كسر القوالب النمطيَّة في الإخراج المعتمد على سرعة المشهد وعمقه، لفنِّ الممثل “محمد ممدوح” القادر على جذب المشاهد، لما يحمله من قدرة على منح المشاهد الإحساس بمشاعره المأساويَّة، وبالأصح الشكسبيريَّة في المغذى والمعنى المرتبط بالقدر وما ينتج عنه من سوء تصرف أو حُسن تصرف، بعيداً عن مخلفات الشرّ الذي يتعرّض له الإنسان.
فالمسلسل من بطولة “ريهام عبد الغفور” التي تُبدع مؤخراً درامياً في اختيار أدوارها أولاً، ومن ثمَّ بالتعبير التمثيلي الذي يبدأ من الصوت وقدرته على اختراق الحواس، وصولاً إلى تعابير الوجه والجسد. إلا أنها تختزل دائماً كلَّ مبالغة في مظهرها الخارجي. فمن بنت فقيرة في مجتمع يئنّ بالمشكلات إلى الغنى وعالم التجميل والرقيق الأبيض، وما تعنيه الكلمة لامرأة حوّلها المجتمع المفسد قبل أن تتحوّل من تلقاء نفسها لذلك. فالقصة رغم حبكتها إلا أنَّ لفريق التمثيل، وللإخراج بنية حقيقيَّة في نجاحه. ليكون متناسباً مع شهر رمضاني انطلقت فيه السباقات المحمومة التي نجح فيها هذا المسلسل ببث ما يمكن القول عنه محاكاة المجتمعات للإنسان الذي يتعرض لانتهاكات فرديَّة لا يمكن الانتباه لها ما لم يُسلط الضوء بأسلوب ملفع بنكهة اجتماعيَّة مفادها الحرص على تفاصيل حياتنا كما يجب. فالإهمال هو فساد بمعنى مستتر، إذ يجب على الإنسان أن يهتمَّ بتفاصيل مسار حياته واختيار الطرق التي تؤدي نوعاً ما إلى مأمن. فهل من عبثيَّة الحياة موت فاروق (أشرف عبدالغفور) السجين أثناء هروبه من السجن برفقة رشيد؟ أم لقاء الفنانة ميمي جمال برشيد هو معاكسات قدريَّة خدمت رشيد أكثر مما خدمت فاروق؟
لا يمكن طبعاً نسيان بلاغة الفنان أشرف عبد الغفور في التمثيل قبل قدرته على منح الكلمات معنى آخر. إذ يقول في مواجهة مع رشيد وهو الفنان محمد ممدوح: “رضيت بحسبتي... إننا جزء من مفهوم الرضى.إنك تؤمن أنَّ الرضى حسبة تُدفع. يا إما تبقى عارف اللي عملتو وموافق تدفع ثمنه يا تبقى مؤمن إنك ممكن تدفع مقدماً وتقبض بعدين. الحسبة دي لو مش موجودة جواك بشكل أو بآخر مش حتعرف تعيش.” فالحكمة في المسلسل تتماشى مع الأحداث المرتبطة بأقدار الشخوص، ومدى طيبتها المتناقضة مع الشرّ المتغلغل في النفوس القادرة على استخراجه بأسلوب خبيث وملعون، وهذا ما يستنتجه المشاهد من صديقه المقرب الذي استطاع خداعه، وما زال لنكتشف التقييم الذاتي وقوته عند فاروق وأهميته في حياة الإنسان الراضي بمخططه الحياتي، والآخر الذي أهمل التخطيط، وسار بعفويَّة تامة غير قابلة للتفسير الإنساني. وهذا ملموس أيضاً في حوار بين رشيد وفاروق في السجن إذ يقول أشرف عبدالغفور وهو فاروق: “الدنيا من أشد قوانينها أنك ساعات لازم توافق تبقى مجرم فالقواعد والقوانين التي تفرضها عليك الدنيا يجب أن يبقى لك فيها نظرة”، في مشهد حواري مؤثر جداً على رجل استطاع أن يكون له بصمة في حياة رشيد الذي استطاع فهم مقولة فاروق الأخرى عن الفضيلة. “مفهوم الفضيلة في الدنيا مختلف مش ثابت متغير. الفضيلة هي خلطة ما بين الذكاء وحسن التصرف. ربما يُفرض عليك تصرف ما سلبي من أجل غاية أو هدف معين في الحالة دي المحك في الحكاية.” فهل حكاية مسلسل رشيد هي حكاية الفضيلة والشر في شكسبيريَّة تهدف للإضاءة على الأحداث القدريَّة التي تصيب الإنسان ويتسبب هو نفسه بها؟ أو أنَّ التمثيل وقوته في فريق عمل تكاملت معه القصة مع الإخراج استطاع التأثير بالمشاهد بشكل بسيط للغاية؟ وهل احتاج المسلسل لتتر يختصر الحكاية بشكل يتناسب مع الفريق التمثيلي الذي أبدع فيه محمد ممدوح وأشرف عبدالغفور وريهام عبدالغفور وغيرهم من الوجوه التي حفرت الحدث بأسلوبها في وجدان المتلقي؟.