دراما تكريس العنف ضد المرأة

ثقافة 2023/04/12
...

حضرت المرأة في الدراما التلفزيونيَّة منذ نشأتها وانتشارها المكثف بعد انتشار الفضائيات في أواخر القرن الماضي، فلم يعد الحديث أو الاشتغال في الدراما التلفزيونية ترفيهاً غايته التسلية وتمضية الوقت مع العائلة في المنزل، بقدر ما هو اليوم وسيلة لإيصال أفكارٍ وترسيخ قيمٍ وتشكيل أخلاقياتٍ وسلوكياتٍ من شأنها التأثير في المتلقي بما يخدم هدفها الذي تسعى إليه علناً أو مواربة، فقد تحولت الدراما مع الوقت إلى قوة ثقافية مؤثرة في المجتمع، مما يجعل الحضور النسائي ودوره أمراً بالغ الأهمية، ويدعونا للتساؤل والبحث عن الصورة التي رسختها الأعمال التلفزيونية أو تلك التي ابتكرتها أو نبشتها من أعماق التراث المشوه؟.

أسهمت الدراما في تكريس الصورة النمطية والأدوار الجندرية للمرأة، وحصرتها في قوالب جاهزة لا تختلف عن تلك التي اعتاد عليها المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه، وأظهرتها امرأة ضعيفة ومستضعفة، عديمة الشخصية، تابعة لذكور العائلة، تتمحور حياتها وتدور في فلك الذكر وحوله، باحثة عن كيفية إرضائه عبر تصويرها أداة للإثارة الجنسية التي تخضع الرجل من خلالها، أو طباخة لأنَّ الطريق إلى قلب الرجل معدته، فهي بذلك مطالبة بتلبية متطلبات المجتمع الذكورية والحفاظ عليها وترسيخها، وأي محاولة من قبلها للخروج على تلك القوالب والتمرد ينظر إليه باعتباره خروجاً على أخلاق المجتمع وقيمه يستوجب الإدانة والعقاب الشديدين.

كرست الأعمال الدرامية والكوميدية تلك القيم المجتمعية الذكورية، وفتحت الباب على مصراعيه أمام أفراد المجتمع لتقبل تلك الأشكال من العقاب التي توقع على المرأة، إذ تحول ضرب الزوجة من قبل زوجها والأخت من أخيها أمراً طبيعياً ومقبولاً، إذ أسهمت في الترويج لمشاهد العنف بشقيه الجسدي واللفظي والذي بات عماد الكثير من الأعمال، فضلاً عن التأكيد على نماذج محددة للمرأة وحصرها في أعمالٍ معينة، فهي الأم المضحية التي تفني حياتها وجسدها خدمة لأولادها، وهي الزوجة المطيعة التي تلبي رغبات زوجها وتغفر له نزواته، أما النموذج الآخر للمرأة المستقلة التي غادرت منزل عائلتها لتبني حياتها بشكلٍ مستقل، فقد أدينت ونظر إليها نظرة دونية، فهي المعرضة للتحرش والقابلة لسلوك طرقٍ غير أخلاقية، وهي بنت الليل التي تعرض جسدها مقابل حفنة من المال، إلى غيرها من أشكالٍ ومسمياتٍ أسهمت الدراما التلفزيونية بالترويج لها، فضلاً عن الاستخدام الكبير للألفاظ البذيئة والشتائم والمسبات التي تستخدم جسد المرأة وأعضاءها لتوجيه الإهانات للآخر، هل يمكن للمشاهد أنْ يحصي الشتائم التي تلفظ بها بطل مسلسل “عاصي الزند” الذي يلعب دوره الفنان تيم حسن على سبيل المثال؟ والتي تحولت إلى حديثٍ عادي من قبل بعض الشبان والمراهقين.

تعكس الفنون عامة والدراما بشكلٍ خاصٍ أهواء المجتمع وصناعها، لذلك تبدو الرغبة في تطهير درامانا من تلك النظرة التي تروجها أو تسهم من دون قصدٍ ربما في ترويجها للمرأة أمراً بالغ التعقيد والصعوبة، في مجتمعٍ تثور ثائرته وغرائزه لمشهد قبلة بين حبيبين، بينما لا يتردد في الضحك على الشتائم والتلفظ بها، كيف لا ونحن أمة تمارس الحب في الخفاء أما القتل والكراهية والعنف فتمارسه في وضح النهار، لن تخرج النساء من ذلك التنميط إلا بإعادة التفكير بها على اعتبارها كائناً بشرياً لا يقلّ قيمة وأهمية عن الرجل، وإلا سنبقى ندور في الفلك الذي قولبنا به المجتمع وحبسنا بين جدرانه، فالمرأة ليست تلك اللعوب المغوية المثيرة، بل هي المثقفة العقلانية الطموحة والمفكرة.