خلف السدة

ثقافة شعبية 2023/04/13
...

كاظم غيلان 

كتب المبدع عبد الله صخي أول عمل روائي في منفاه القسري (خلف السدة) مستحضراً بقوة ما علق في ذاكرته من تلك الهجرة الجماعية التي وجدتها الآلاف من أسر الجنوب العراقي سبيلاً لحالها وهي تستوطن أطراف بغداد، حاملة معها كل موروثاتها الشعبية من شعر، وغناء، وقداسات تبدأ من مزار (سيد جار الله) الذي غدت صرائفهم متاخمة له، فكانت النذور وزيارات الأمهات والآباء مصحوبة بأوجاع القهر الطبقي الذي ظل ملازماً 

لأرواحهم.

حين يهيمن الليل بكل ما فيه من عتمة داكنة يستدعون الغناء المحمول معهم ليضيء وحشتهم، إذ يطلق (سوادي) آهاته غناءً وهو يحتضن (سلمان اليونس):

ع الولف ساهر دوم 

حارمني لذيذ النوم 

وينه اليفك مظلوم 

وين الله وينه 

كم أجحف أدب المنفى العراقي، بل كم أهملته مؤسسات الثقافة بعد أن ابتدع النظام الفاشي تصنيفاً به من الحقد والتفاهة ما يفوق الخيال وهو يطلق تسمية (أدب الداخل وأدب الخارج) هذه التسمية التي لا تريد للعراق ثقافة واحدة بقدر ما تسعى لشرذمتها.

عبد الله صخي واحد من مثقفين عراقيين كثر غادروا العراق نهاية سبعينيات القرن الماضي تخلصاً من بطش نظام لا يؤسس إلا لثقافة العنف، قتلاً، وتشريداً، وبطشاً، ونفياً.. الخ. ومن ثم يؤسس لثقافة الأكاذيب والخدع كما هو الحال في (نقد وتحليل) روايات رئيس النظام ولعل (زبيبة والملك) من أبرزها إذ ترجمت للغات عديدة ومسرحت وعرضت بتمويل لا محدود من خزينة الدولة في وقت كان به الحصار يطبق على العراق بشراً وحجراً.

لو كشفنا عن أرشيف صحف ذلك الزمان لوجدنا صفحاتها الثقافية ضاجة بدراسات نقدية أكاديمية وغير أكاديمية وهي ترفع من شأن (كاتبها)! وهي الأسماء(النقدية) ذاتها التي تلعب اليوم طولاً وعرضاً في صحافتنا الثقافية.

(خلف السدة) كانت العمل الأول لثلاثية عبد الله صخي إذ تلتها روايتاه (دروب الفقدان) و(اللاجئ العراقي) دون أن تأخذ نصيبها واستحقاقها النقدي لربما بسبب سريان مفعول مصطلح الداخل والخارج للحظة حاله كبقية قوانين وأنظمة ظلت نافذة ليومنا هذا.

إن من أبرز ما يبرهن على نقاء ثقافة المنفى - إبداعياً- هو أن معظم ما نتج عنه كان باستدعاء العراق وطناً وشعباً، إذ يشخص وحده لا غيره وهذا ما أغاظ الماكنة الإعلامية التي كرست جل اهتماماتها لما هزل من نتاجات ذيول سلطة القمع والاستبداد التي ابتدعت مذكرات الجنرالات وأغاني 

القائد.