مزارعو اوكرانيا يزيلون ألغام حقولهم بأيديهم

بانوراما 2023/04/13
...

  ريبيكا رايت وتوم بوث

  ترجمة: بهاء سلمان

عندما عاد "اولكساندر هافريلوك" لأول مرة إلى حقله بعدما اجتاحته القوات الروسية، ظهرت الدموع على وجهه، حينما شاهد ما خلفوه وراءهم، فقد كانت مباني المزرعة مدمّرة بالكامل، وصارت معدات تقدر قيمتها بملايين الدولارات حطاما، كما تحوّل محصول الحنطة للعام الماضي إلى رماد.

بيد أن المشكلة الأكثر إلحاحا بالنسبة لهافريلوك كانت الألغام الأرضية، التي تم دفنها في المناطق المحيطة بحقله البالغ 12 ميلا مربعا. حاليا، يعمل هذا الرجل السبعيني على حفر الأرض لاستخراج الألغام بيديه، ضمن محاولة بائسة لتطهير قسم من أرضه قبل بداية موسم الزراعة بداية نيسان الحالي. يقول المزارع القديم: "كنت خائفا، لكن ينبغي علي تأدية عملي وزراعة الأرض".


لغاية الآن، يقول هافريلوك إنه قد نجح بإزالة عشرين لغما من حقله في منطقة فاليكا كوميشوفاها، القريبة من مدينة ايزيم، مستخدما فقط كاشفا معدنيا اشتراه بنفسه. "تذهب بنفسك، وتجد اللغم، وتأخذ عصا، وتنقر عليه لتحديد الحجم، ومن ثم تحفر لاستخراجه. بعدها، ترفعه برفق وتطرحه خارجا،" يقول المزارع، مقرا بخطورة ما يفعل، لكنه أضاف: "ليس لدي خيار

آخر."


ظروف معقدة

كان خيارا قاسيا يواجهه المزارعون عبر اوكرانيا: تطهير الحقول الزراعية من المتفجرات تمهيدا لموسم الزراعة، أو توقع سنة أخرى بلا دخل مالي. وكان الغزو قد علّق مسبقا صادرات الحبوب من اوكرانيا، وهي إحدى أكبر سلات الخبز في العالم، متسببا بارتفاع هائل بأسعار منتجات أساسية، مثل الخبز والحبوب، حتى مع وجود اتفاقية بوساطة الأمم المتحدة التي أتاحت امكانية مرور السفن الاوكرانية عبر البحر الأسود.

ويقدر الجيش الاوكراني نحو ثلث البلاد كمناطق مبتلاة بذخيرة غير منفلقة، مهددة بترك مناطق شاسعة من الأراضي الخصبة بلا زراعة بسبب المخلّفات المميتة لحرب لا تزال تدور رحاها.

خلال الشهور الماضية، تعرّض العديد من المزارعين للأذى أو القتل حينما كانوا يشتغلون في حقولهم، بضمنم رجلٌ عمره 65 سنة، مات فورا حينما داس على متفجرات بالقرب من إحدى قرى جنوب اوكرانيا، بحسب مسؤولين محليين. وكانت أعمال إزالة الألغام قد بدأت منذ فترة لتطهير الحقول الزراعية، إلا إنها بطيئة ومكلفة ماديا.

وأبطل سلاح الهندسة العسكرية الاوكرانية مفعول 45 ألف عبوة ناسفة خلال العام الماضي، وفقا لمركز الإعلام الرسمي العسكري. ويبلغ كادر هالو ترست، المنظمة الأكبر عالميا المتخصصة بشؤون إزالة الألغام، العامل في اوكرانيا حاليا سبعمئة فرد، وهو رقم يخطط لزيادته إلى الضعف تقريبا بحلول نهاية هذا العام. وتقول "ميري كنينغهام"، التي تدير فريق عمل إزالة الألغام التابع للمنظمة في اوكرانيا "أن حجم الألغام هائل، وهي منتشرة عبر البلاد، ولا يمكن لمنظمة واحدة حل المشكلة، فالأمر يتطلّب جهدا وطنيا".


مهمّة شاقة

علاوة على تأمين سلامة الناس، تم وضع الأرض الزراعية كأولوية "لضمان تمكين اوكرانيا من العودة للوقوف على قدميها"، بحسب كنينغهام، وتشير إلى أن التحدي الأعظم هو نقص النموذج العملي، بسبب اختلاف أنواع وقوة الذخيرة المنتشرة عبر منطقة شاسعة جغرافيا، فاوكرانيا هي ثاني أكبر بلد في أوروبا بعد روسيا.

تقول كنينغهام: "نلاحظ وجود ألغام ضد العجلات، بنوعيها المعدني والبلاستيكي، وهناك طوق ألغام ضد الأشخاص وألغام تشظية مربوطة باسلاك التعثّر، وقنابل يدوية مربوطة بأسلاك تعثّر، كما نرى ذخيرة قنابل عنقودية".

وتشير خبيرة الألغام الاسكتلندية الجنسية إلى عدم وجود إسلوب "حجم واحد يناسب الجميع" لجهود نزع الألغام، والتي تتطلب "طرقا مفصلة"، بالتالي "توجب أن يكون هناك امكانية لتدريب الكادر بشكل 

ملائم." 

وتؤكد أن عملية إزالة جميع المتفجرات ستأخذ سنوات، لأن التقديرات عادة تشير إلى أن يوما واحدا من الحرب يقابله عدة شهور من أعمال الإزالة.

ومع بقاء لهيب الصراع مستعرا، فلا يمكن إجراء أعمال التطهير إلا في مناطق بعيدة عن جبهات القتال، لحماية جنود الهندسة العسكرية والكوادر الأخرى. غير أن الخبراء يحثون المزارعين ألا يقدموا على فعل هذا الأمر بأيديهم، حيث تقول كنينغهام إن رفع الألغام المضادة للدبابات أمر خطير للغاية، فغالبا ما يتم وضع عبوات معرقلة لعملية رفع اللغم مصممة خصيصا لقتل أو إصابة الأشخاص الذين يحاولون فعل ذلك."

مع ذلك، لن تنفع تحذيرات السلامة بايقاف اوليكساندر هافريلوك عن مهمته؛ فهو يقول أنه عمل طيلة خمسة وعشرين سنة مضت لانشاء مزرعته من الصفر، ولديه عزم على اعادة تشييدها مجددا لضمان مستقبل عائلته".


وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية