فتيات تنزانيا والبحث عن مستقبل أفضل

بانوراما 2023/04/15
...

  ليزا كوهين

  ترجمة: بهاء سلمان


مع نشأتها في أرياف تنزانيا برعاية جدتها، ولدت «ميرسي اسثر» وأخوتها وسط حالة من الفقر المدقع، وأحيانا يفتقدون المال لشراء الطعام، ناهيك عن الكتب المدرسية. وحينما تم الاتصال بجدتها لأجل عرض عمل لحفيدتها في كينيا، مع وعد لإرسال المال إلى الوطن، قبلت الجدة، ظنا منها أن ما تكسبه ربما سيعود بالنفع على أشقائها، ولربما سيجدون مستقبلا أفضل. غير أن عرض العمل تبين أنه عبارة عن كذبة، بداية لسلسلة من الوعود الكاذبة التي ربما تسلب فتاة صغيرة من طفولتها ومن عائلتها. 

ولدت ميرسي مشوّهة بقدم واحدة، مسببا عرجا واضحا. وفي شوارع نيروبي، أرغمت مع أطفال آخرين على التسوّل، وطلبوا منها ضرورة التظاهر بعدم مقدرتها على المشي، لأجل استدرار عطف عامة الناس. وكل يوم، كان يؤخذ منها كل ما كانت تجمعه من مال.

في أحد الأيام، وبينما كانت تتسوّل، اقتربت منها امرأة وعرضت عليها عملا منزليا، مع وعود أخرى ببيت جديد وأجور ومعاملة حسنة. ذهبت ميرسي مع المرأة، وبدلا من تلك الوعود، أسيئت معاملتها ولم تتلق أي شيء مقابل العمل، وبقيت ست سنوات على تلك الحالة حتى تمكّنت من الفرار.

ومع دعم من شرطة نيروبي وجهود الحكومتين الكينية والتنزانية، عادت البنت المسكينة إلى ديارها، لكن بلا تفاصيل عن القرية التي نشأت فيها، لتضعها السلطات تحت رعاية منظمة ووتي ساوا للعمالة المنزلية، والتي تدير ملجأً للأطفال المتاجر بهم في بلدة موانزا، الواقعة على ضفاف بحيرة فكتوريا شمالي البلاد.


الكل سواسية

«تنزانيا بلد جميل ومسالم، لكن هناك جانبا مظلما،» كما تقول «انجيلا بينيديكتو»، مؤسسة المنظمة والمدير التنفيذي لها، وتضيف: «يعيش كثيرون وسط حالة من الفقر، والعمل الإجباري يعد مشكلة كبيرة للغاية. العنوان الأكثر شيوعا للمتاجرة بالبشر في تنزانيا هو الخدمة المنزلية، حيث يتم إرغام الفتيات على العمل بالمنازل، ليواجهن سوء المعاملة والاستغلال، ولا يدفع لهن أي مقابل مادي لعملهن».

وينخرط نحو مليون طفل، غالبيتهم من البنات، ضمن العمل المنزلي في تنزانيا، بحسب المنظمة الدولية لمناهضة العبودية، ومقرها لندن. تم تأسيس منظمة ووتي ساوا سنة 2014، وتأخذ سنويا نحو 75 طفلا هاربين من طوق المتاجرة بهم. المكان مكتظ بالموجودين، حيث ينام كل طفلين على سرير؛ ويبقى البعض لفترة أطول من غيرهم، وفقا للمديرة بينيديكتو، خصوصا من المتورطين بقضايا اجرامية، لأن الاجراءات القضائية يمكن أن تتطلب بعض الوقت. لغاية الآن، ساعدت المنظمة الخيرية مئات الناجين، بيد أن الاحتياجات تعتبر أضخم من الموارد المتاحة. وتحلم المديرة بتشييد حاضنة أوسع لاحتواء المزيد من الأطفال.

وتنصب مهمة بينيديكتو على تمكين العمال المنزليين والدفاع عن حقوقهم. أنها قضية قريبة إلى قلبها، فهي نفسها كانت سابقا عاملة منزلية، وتقول موضحة: «مررت بحالة سوء التعامل والاستغلال، لكنني كنت قادرة على التكلّم علنا وبلا خوف. الكثير من العمال المنزليين غير قادرين على الحديث علانية، فمن يا ترى سيتحدث لصالحهم؟ أنا أوظف قصتي لأقول لهم: لا تستلموا».

وتعني عبارة «ووتي ساوا» باللغة السواحلية «الكل سواسية». في الملجأ، يتم إيواء الأطفال وتوفير النصح لهم والدعم القانوني، كما يتلقون تعليما لمعرفة القراءة والكتابة والحساب، علاوة على مهارات عملية مثل التطريز. ويسير إعادة اندماج الأطفال بالتعليم بانتظام مع الجهود الرامية إلى إعادة لم شمل الأطفال مع أحبائهم، «لكي عندما يعودون إلى أسرهم، لن يتمكّنوا فقط من مساعدة أنفسهم، بل وحتى قادرين على مساعدة أنفسهم أيضا،» كما تقول بينيديكتو.


التعليم هو الحل

تقيم «ليديا» في منطقة نغارا ضمن جبال غرب تنزانيا، وكانت قد غادرت منطقتها لتصير عاملة منزلية بسن لا تتجاوز 16 سنة، لكنها تعرّضت للضرب من قبل صاحب العمل، ولم تتلق أية أجور على عملها. هربت الفتاة وساعدتها منظمة ووتي ساوا، حيث تعلّمت الخياطة، وعادت إلى عائلتها بماكنة خياطة وفرتها المنظمة لها، واليوم تعمل خياطة مع حلم بامتلاك محل خاص بها. تقول بينيديكتو: «تحقق ليديا دخلا كافيا لتأمين احتياجات عائلتها، وحلمها هو مساعدة الفتيات الأخريات على كيفية الخياطة، وتخطط لمساعدة المجتمع معنويا وماديا.»

وعلاوة على مساعدة الناجين من الاتجار بالبشر، تعمل المنظمة على منع هذه الحالة، حيث تنسق المديرة مع وكلاء مرائب الحافلات لمراقبة الأطفال الصغار، ومع الشرطة المحلية التي لديها السلطة للتدخّل. «تتمثل مهمتي بالتأكّد من توقف هذه الجريمة بالكامل؛ ومن خلال التعليم يمكننا تحقيق ذلك،» كما يقول «جوما جومين»، قائد الشرطة، ويضيف: «يجب علينا تثقيف الأهالي، ويجب تثقيف الضحية نفسها؛ كما يجب علينا أيضا تثقيف المجتمع بشكل عام».

مستقبلها لامع

عندما وصلت ميرسي إلى الملجأ، كانت كارهة لكشف إسم قريتها لخشيتها من تعرّضها مجددا للإستغلال إذا عادت إلى هناك، لكنها غيّرت موقفها في نهاية المطاف. والتقينا الفتاة من خلال مؤسسة كولتشيك البولندية التي تدعم ووتي ساوا. تمكّنت المنظمة من إيجاد عائلة ميرسي، وأخذت جدّتها وأخوتها إلى الملجأ، وكانت قد مرّت ثماني سنوات على آخر لقاء جمع بين الفتاة وعائلتها. تقول بينديكيتو عن اللقاء: «كان عاطفيا للغاية، غمره البكاء والعناق. أعتقد أن كل واحد منا كان متأثرا بشدة، وانسكبت دموعنا فرحا».

ولا تزال ميرسي تشعر بعدم الراحة من فكرة العودة إلى قريتها، واختارت البقاء في الملجأ إلى حين بلوغها سنا أكبر، واكتساب ما يكفي من مهارات الخياطة للبدء بعمل تجاري يساعد على إعانة عائلتها. تقول المديرة عنها: «مستقبلها جيد جدا، وبمقدوري أن أرى أنها ستكون نورا يضيء على أخوتها».


وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية