إدارة السياسة الخارجية بين محنة اليسار واليمين

العراق 2019/04/18
...

جواد علي كسار
 
غياب المهنية والتخصّص هما من أبرز المشكلات التي عانت منها وزارة الخارجية الإيرانية، وقد ضاعف من حجم المشكلة خسارة الوزارة بعد الانتصار، ما نسبته 90% من المختصّين القدماء بالانسحاب والإقصاء والتهميش، ومن بقي منهم تحوّل إلى عنصر مثبّط في هياكل الوزارة ومؤسّساتها وسفاراتها. أضف إلى ذلك نزعة الحماس والثورية التي هيمنت على الوزارة، فغيّبت العقلانية واستخفّت بالمهنية وازدرت الاختصاص، ما أدّى إلى تعطيل الرؤية الستراتيجية، القائمة على محدّدات مدوّنة واضحة في إدارة السياسة الخارجية. الأسوأ من ذلك، هو تعدّد مراكز القرار، والتأثير السلبي لصراع الأجنحة، والتدخلات المباشرة، التي تركت تبعاتها على السياسات والملفات والعلاقات والمواقف، بحيث تحوّلت أجهزة الرصد الزلزالي في الملف النووي مثلاً، إلى محطات "تجسّس" بحسب اتهامات صحيفة "كيهان"، وحاز فريق عمل نيويورك وصفاً ذميماً ونعتاً خطيراً، هو "عصابة نيويورك"، وفي ظلّ إدارة الرئيس أحمدي نجاد صُفيّ الفريق التفاوضي بأجمعه، بالعزل واتهام البعض منهم بالتجسّس، أما ظريف الذي سلم من ذلك مؤقتاً فقد جُرّد من صلاحياته، حتى فكّر بـ"الهرب" وظيفياً إلى ماليزيا كسفير، قبل أن ينزل به قرار الطرد، ويُحال على التقاعد الإجباري المبكر، ليلوذ بالتدريس وينصرف للبحث والتأليف، إلى حين جاءت الفرصة المؤاتية مع فوز الرئيس حسن روحاني عام 2013م، لتضعه على رأس وزارة الخارجية. في الحلقة الأخيرة هذه من الحوار الساخن، يسلّط محمد جواد ظريف أضواء مكثّفة على عمله في وزارة الخارجية خلال ثلاثة عقود وأكثر، عبر مراجعات تقويمية ورؤية نقدية، تعكس خبرة نافعة لعمل أجهزتنا في الرقعة الموسومة بالعالم الثالث.
ملابسات الاتهام!
عندما صدر القرار (598) لإيقاف الحرب العراقية ـ الإيرانية صيف 1987م، قامت استراتيجية طهران على أساس مشاغلة الأمم المتحدة، هروباً من قبول القرار أو رفضه معاً، إذ لم يكن القبول من مصلحة طهران لأنها الأقوى عسكرياً على الجبهات يومذاك، كما أن الرفض يستتبعه قراراً جديداً من مجلس الأمن ضدّ إيران، لأن القرار صدر وفقاً للفصل السابع، الذي يحمل في طياته ضماناً لتنفيذه. بذلك لم يكن أمام وزارة الخارجية الإيرانية سوى اللجوء إلى المماطلة والتسويف، وهي الاستراتيجية التي لجأت إليها بالتنسيق مع السيد الخميني (ت: 1989م) بتوجيه منه وموافقته، وقد أُنيط تنفيذ هذه الاستراتيجية بالدبلوماسي الإيراني القدير جواد لاريجاني.
ما كانت هذه الاستراتيجية لتنطلِ على الأمم المتحدة لاسيّما الأعضاء الدائمين، لذلك لجأت إيران إلى ذريعة ذكية، مفادها حاجة القرار إلى برنامج تنفيذي، وضغطت على الأمين العام للأمم المتحدة من خلال ذلك، بحجة أن القرار يتسم بالإبهام والغموض!
كان مجلس الأمن على وشك الاجتماع لاتخاذ قرارات جديدة ضدّ إيران، وفق ما حدّدته مواد الفصل السابع نفسه، عندما تلقى ظريف أمراً من وزارته على أعلى مستوى وبمشورة السيّد الخميني نفسه وموافقته، يطلب منه استباق اجتماع المجلس برسالة يقدّمها، تتضمّن جملة تفيد؛ بان موافقة طهران على البرنامج التنفيذي للأمين العام، مساوٍ لموافقة إيران على القرار نفسه، وذلك شراءً للمزيد من الوقت، وهرباً من القرارات اللاحقة، وتجنباً للموافقة الصريحة المباشرة على القرار (598) نفسه. كان الأمر جادّاً في مجلس الأمن، لأن المندوب الروسي أبلغ ظريف مباشرة، أن موعد الاجتماع قد تحدّد فعلاً في يوم الاثنين، وأنه قد تبلغ من حكومته أن يكفّ عن الممانعة، ويدع الطريق مفتوحاً لصدور القرار العقابي الجديد!
 
الرسالة!
بعد أن كتب لعاصمته بما بلغه به مندوب روسيا، وجاء اقتراح الرسالة على أعلى مستوى استناداً إلى رأي السيد الخميني وبالتنسيق معه، يقول ظريف أنه انكبّ ليلة كاملة على صياغة الرسالة بشروط طهران، حتى اضطر إلى مراجعة القاموس للعثور على مفردات مؤدية إلى المطلوب، ثمّ قدّم الرسالة فعلاً في يوم الأحد (من شهر شباط 1988م فيما يبدو) ليسبق اجتماع مجلس الأمن. بالفعل كان الأعضاء قد تفاجؤوا صبيحة يوم الاثنين بهذه الرسالة الالتفافية، التي أبطلت مشروعهم لإصدار القرار الجديد، حتى بلغ الانفعال بالمندوب الأميركي، أن يدّعي في جلسة تشاورية غير رسمية للأعضاء الدائمين، بأن هذه الرسالة من صنع ممثلية إيران في الأمم المتحدة، وأن طهران ليست موافقة عليها، وأن الحكومة الإيرانية لم تأذن بها!
لقد أتت هذه الخطوة أُكلها، وحالت فعلاً دون إصدار قرار جديد، بإذنٍ من السيد الخميني نفسه، لكن ماذا كان الموقف في طهران؟ في يوم الجمعة الذي تلا هذه المبادرة وقف وزير الداخلية يومها السيد علي محتشمي، الذي كان حينها يمثل يسار اليسار أو اليسار المتطرّف؛ خطيباً في صلاة الجمعة، وكرّر كلام الأميركان نفسه؛ من أن الرسالة لا تمثل موقف طهران، وأنها تمتّ بمبادرة من مندوب إيران الدائم أمير محلاتي، مع أن محلاتي كما يذكر ظريف كان في رحلة إلى البرازيل، ولا شأن له بهذه الملابسات!.
التقطت المخابرات الروسية "كي. جي. بي" هذا الموقف المتطرّف لمحتشمي، فغذته مباشرة وأسّست عليه، لإسقاط مندوب إيران الدائم أمير محلاتي ومسؤول ملف القرار (598) جواد لاريجاني، وهذا ما حصل فعلاً حين انتهى الأمر بعزل الرجلين معاً، كما مرّ الكلام عن ذلك في حلقة سابقة.
 
تهمة الأمركة!
لم يسع ولايتي أن يترك موقع نيويورك شاغراً، فقرّر تعيين محمد جواد ظريف ممثلاً دائماً لإيران في الأمم المتحدة. لكن عند عرض الاقتراح في اجتماع مجلس الوزراء، اعترض وزير الداخلية محتشمي، بقوله عن ظريف نصاً: "هذا الرجل أميركي، ولا يمكنه الذهاب إلى هناك"!.
في الحقيقة كان وزير الخارجية ولايتي مقتنعاً تماماً بظريف، وقد طلب منه شخصياً وبإصرار أن يشغل الموقع، وسط تحجّج ظريف بوضع زوجته الرافض ورغبته البقاء في إيران، بعد ثلاث عشرة سنة من التواجد في أميركا، لكن ولايتي بقي عند إصراره وأصدر أمراً إدارياً لظريف في المنصب الجديد، بعد أن قطع حجته، بالقول: "أنت بحكم الجندي، ونستطيع أن نصدر لك أمراً بذهابك إلى جيروفت، بيد أن قرارنا الآن أن نرسلك إلى نيويورك". لتوضيح الأمر، فان ظريف كان فعلاً تحت الخدمة العسكرية الإلزامية، و"جيروفت" منطقة نائية تابعة لكرمان، تبعد عن طهران حوالي (1400) كم، وقد تصل درجة حرارتها في الصيف الى الخمسين!.
يذكر ظريف بأنه لم يبق لديه حجة أمام رئيسه ولايتي، الذي أصدر أمر تعيينه فعلاً، كما صدر له الجواز الخاص الذي يحمل صفته الوظيفية الجديدة، لكن كانت أمامه رحلة عمل قصيرة إلى نيويورك ترتبط بالقرار (598)، كان عليه بعدها أن يصطحب زوجته وأولاده للإقامة في أميركا ممثلاً لبلده في الأمم المتحدة، لكن المفاجأة التي صدمته عند عودته من رحلة العمل القصيرة؛ أن قرار تعيينه قد أُلغي، وأن الوزير ولايتي يوجّه طلباً برؤيته. عندما التقى بولايتي أوضح له بأن أحد الوزراء (يقصد به وزير الداخلية محتشمي) اعترض على تعيينه في اجتماع مجلس الوزراء، وقال عنه بأنه أميركي، ما دفع رئيس الوزراء مير حسين الموسوي لدفع ملفه إلى وزارة المخابرات "الاطلاعات" لاستعلام وضعه. رد ظريف على ولايتي أن يعذره من الالتحاق بهذا المنصب، حتى لو جاء جواب وزارة المخابرات لصالحه، لأنه لا يستطيع العمل لبلاده في نيويورك في مثل هذه الأجواء والتهم.
لقد كان موقفاً مهنياً وكريماً من الوزير ولايتي، دفاعه الشديد عن ظريف في مقابلة مع صحيفة "رسالت" الطهرانية اليمينية، وتقديره لمهنيته وكفاءته، رغم أن ظريف لم يكن اسماً مشهوراً في فضاءات الحياة السياسية الإيرانية، كما هو اليوم!
بديهي لم يكن ظريف قادراً على مواجهة تهمة الوزير محتشمي له بالأمركة، وإنما اكتفى على طريقة المظلوم العاجز عن الدفع عن نفسه، بأن بعث إليه رسالة، نصها: "لا أستطيع أن أفعل لك شيئاً في هذه الدنيا، لكني لن أعفو عنك في تلك الدنيا" ويقصد بها الآخرة. وبعد مرور أكثر من عشرين سنة على الواقعة، كان ظريف متمسّكاً بموقفه هذا ضدّ محتشمي، لأنه يعتقد بأن على الإنسان لاسيّما السياسي الذي يحظى بموقع أن ينتبه إلى كلماته وما ينطق به، موضحاً بأنه لم يقل عن محتشمي ولن يقول عنه، بأنه أميركي، رغم أن محتشمي كرر ما قاله الأميركان.
بيدّ أن الأهم من ذلك هي الملاحظة التي سجلها ظريف، بقوله: "أسجل فقط أن للأميركان وسائلهم، لكي يؤثروا في الآخرين بنحو غير مباشر" ويقصد بذلك توجيه العقول! يضيف ظريف: إذا كان محتشمي يعتقد أن رؤاي مثل الأميركان، فقد كان بمقدوره أن يقول أنّ رؤاي وأفكاري كالأميركيين، لا أن يقول عني بأنني أميركي!.
 
محنة اليسار!
في نقد لاذع لكنه مؤدب، يقول ظريف بأنني قلتُ للرئيس محمد خاتمي، بأسلوب يجمع بين المزاح والجدية معاً: "كان أصدقاؤك يعارضونني في وقت ما لأنني أتحدث بكلام معتدل، واليوم حيث يتحدثون بكلامنا وباللغة نفسها، تراهم لا يزالون على خلاف معي!".
عمل ظريف في ظلّ رئاسة هاشمي رفسنجاني (1989ـ 1997م) معاوناً وحيداً لوزارة الخارجية من دون منافس، وبقي خمس سنوات يشغل المنصب نفسه في ظلّ رئاسة خاتمي (1997ـ 2005م) قبل أن يتجه إلى نيويورك ليشغل منصب ممثل إيران الدائم في الأمم المتحدة، خلال السنوات الثلاث المتبقية من حكم خاتمي، ومع ذلك كان في الإدارتين كليهما موضعاً للنقد والتشهير، من قبل جناح اليسار الإيراني، وهو في السلطة كما هو في المعارضة!
يسجل ظريف بوضوح ومن دون لبس، أن أغلب المواقف المتطرفة التي صاغت العلاقات السياسية الإيرانية في ملفات بارزة، بدءاً من مواجهة أميركا مروراً بواقعة السفارة الأميركية بطهران، إلى قضية مكة المكرمة (1986، ثم المجزرة التي تلتها عام 1987م) إلى تعويق إعادة العلاقة مع مصر، إنما تمت من قبل اليسار ومن خلال مواقفه. وهو يعتقد أن خاتمي لم يكن في الحقيقة قائداً لليسار، في فوزه الكاسح بالرئاسة سنة 1997م ضدّ منافسه ناطق نوري، بل كان شخصية معتدلة في هذا الجناح. أما القيادة الواقعية لليسار المتطرف، فقد كانت بيد أشخاص مثل السيد موسوي خوئينيها، في حين كانت السياسة الخارجية من منظور هذا الجناح، ترسم من قبل بهزاد نبوي، عبر مواقف متطرّفة وحادة جداً.
يعطينا ظريف صورة مضطربة لجدلية العلاقة بين اليسار واليمين والسياسة الخارجية؛ وأقصد بالاضطراب هو تقلب مواقف الجناحين، واختلافها، بين وجودهم في السلطة وموقعهم في المعارضة. ففي زمن هاشمي رفسنجاني، كانت مواقف الجناح اليميني في السياسة الخارجية معتدلة، فيما تبنّى اليسار المواقف الحادّة المتطرّفة. لكن المعادلة انقلبت على نحوٍ غريب على عهد خاتمي، فعندما وصل اليسار إلى السلطة عبر عباءة خاتمي ومن خلاله، التزم مواقف أكثر اعتدالاً في السياسة الخارجية، في حين انقلب اليمين المعتدل في زمن هاشمي رفسنجاني، إلى مواقع التطرّف في زمن خاتمي!
 
صحيفة سلام!
كواقعة لها دلالة خطيرة على نفوذ اليسار وسلطته المعنوية، وتأثيره الكبير في أصحاب القرار في السياسة الخارجية؛ يقول نصاً عن صحيفة "سلام" وقوتها الكاسحة في التهديد والإرعاب: "في عهد الشيخ هاشمي، كانت أبداننا ترتجف، إذا مر اسم صحيفة سلام!". ففي مرّة من المرّات مثلاً، كتبت هذه الصحيفة تُهدّد وزارة الخارجية، بقولها: "ينبغي على وزارة الخارجية أن تتخذ موقفاً واضحاً ومحدداً، إزاء ما قاله ظريف بشأن أميركا، وإلا سنبدأ بإفشاء الأسرار وفضح المستور، بدءاً من يوم غد»!. بشأن انعكاس مواقف اليسار المتطرف عليه شخصياً، يذكر ظريف: لم تكن لليسار علاقة حسنة معي، حين كان متطرّفاً في مواقع المعارضة، بحجة أنني معتدل. بيد إن الأعجب أن علاقة اليسار لم تتحسن معي حين وصل إلى السلطة في عهد خاتمي، وصارت مواقفه أكثر اعتدالاً! على سبيل المثال، كان من شروط اليسار المتطرف، لكي يمنح الثقة إلى وزير الخارجية كمال خرازي، في الرئاسة الثانية لخاتمي؛ هو عزلي من منصب معاون وزير الخارجية!
 
التوازن!
ضمن مجموعة من التعليقات النافذة العميقة لتطرّف اليسار، يعزو ظريف بعض أسباب هذه الظاهرة، إلى الجهل وغياب المهنية وشيء من الفراغ والبطالة، وهو يقول: في بداية الثورة لم يكن العاملون في حقل السياسة الخارجية من المتعلمين، وقد نشأ هذا التطرّف من الأفكار والانطباعات غير المتخصّصة لهؤلاء. لكن بعد ذلك لجأ اليساريون إلى الدراسة والعلم، ما زاد في معلوماتهم وإدراكهم السياسي.
بمقدور الإنسان أن يكون ضدّ الإمبريالية، وأن يكون معقولاً أيضاً. ثمّ أن مواجهة الإمبريالية لها أسلوبها الخاص، فمنهج مواجهة نظام السلطة في العالم، لا يكون من خلال تقويتك مرتكزات هذا النظام، عبر تصرفاتك ومواقفك وأعمالك غير المناسبة. إنك تعرف بالضرورة، أنه لا يسعك مواجهة أميركا عسكرياً، فلماذا تنساق وراء ذلك؟ بمقدورك أن تواجه نظام السلطة، لكن ليس بالأسلوب العسكري، بل تلزمك أدوات أخرى؛ يلزمك التوسل بالعقلانية وبالمنطق والمعرفة، وأن تكون على دراية لمواجهة الإمبريالية، بدلاً من نزعة البحث عن الحروب والجنوح إلى "الحربوية". يختم ظريف هذه المجموعة من الملاحظات، بقوله: لم أكن قط منحازاً إلى الإمبريالية، لكني لم أجنح إلىالتطرّف.
محنة اليمين!
لم يكن حظه مع اليمين أفضل مما كان مع اليسار، فالجناح اليميني هو من عزز عليه ورفاقه، مصطلح "عصابة نيويورك". وصحيفة "كيهان" التي تعدّ واحدة من منابر اليمين المتطرّف، لم تأل جهداً في تلويث سمعته، حين كتبت عنه وفريقه النووي المفاوض: "قامت مجموعة معروفة في وزارة الخارجية بوصف (عصابة نيويورك) بنصب محطات تجسّس على طريق كرج - جالوس، لترسل معلوماتها مباشرة إلى فيينا"!
كانت "كيهان" تشير إلى أجهزة الكشف الزلزالي التي نصبت في إيران بموافقة القيادة العليا، لكنه الجهل والصخب والكذب والتخليط كما يصفه ظريف نصاً، مشيراً إلى أن هؤلاء يستثمرون في واحدة من أبرز مشكلات سياستنا الخارجية، متمثلة في عدم الانسجام وغياب وحدة الرويّة، عزّز ذلك غياب التخصّص، إذ الكلّ في البلد يعتقد أنه متخصّص، وينجرّ لإدارة ملفات معقدة كالنووي بالسذاجة وذهان السهولة وبالانطباعية والسطحية، كما حصل في الاستخفاف بقرارات مجلس الأمن العقابية ضد إيران، وفي التعامل الساذج مع محمد البرادعي، الذي برع في اللعب معنا بالكلمات، على حين كانت عينه على الأميركان، طمعاً بولاية جديدة في الطاقة الذرية!.
 
أصعب سنتين!
منذ بداية فوزه بالرئاسة، كانت نظرة الرئيس أحمدي نجاد السلبية ضدنا واضحة للعيان، فلم يكن يخفي رغبته بعزل جميع أفراد فريق التفاوض النووي، وكان ميالاً أن يبدأ بظريف قبل الجميع، منذ الأسبوع الأول لتسنّمه الرئاسة عام 2005م. وهذا ما قام به فعلاً، ولو بثمن اتهام بعض أعضاء الفريق التفاوضي بالتجسّس، كما حصل مع حسينيان وسايروس ناصري، لكن نجاد اصطدم بموقف المرشد السيد علي خامنئي الرافض لإقالة ظريف، فما كان منه إلا الالتفاف عليه بتجريد ظريف من جميع صلاحياته، وتجميده في المنصب، حيث يقول: أجل، كنتُ سفيراً لإيران في الأمم المتحدة، لكن من دون أن يكون لي أي دور في الملف النووي وغيره من الملفات؛ بل لم يحوّل لي أيّ عمل قط، وكنتُ أكتفي بالحضور فقط!
يصف ظريف هذه المدة من حياته المهنية، بأنها أصعب سنتين، وقد فكر بالاستقالة من أول وصول نجاد إلى الرئاسة، لكن المرشد خامنئي رفض ذلك، وكان قد طلب قبل ذلك أن يُنقل سفيراً إلى ماليزيا، لعلاقة وثيقة تربطه بمهاتير محمد، ورُفِضَ طلبه أيضاً، إلى أن طرده نجاد وحوّله للعمل في مركز الوزارة بطهران، تحت عنوان وظيفي فخم، هو المساعد الأعلى لوزير الخارجية، لكن في الحقيقة كان عنواناً فارغاً وأجوفاً من دون أيّ محتوى على أرض الواقع، ما دفعه للاستقالة الإجبارية، والتقاعد المبكر، هذا التقاعد الذي كان بمنزلة العقوبة، إذ بقي "يُطارد" المعاملة و"يركض" من هذا القسم إلى ذاك، لمدة سنة كاملة، وذلك قبل أن يبتسم له الحظّ مجدّداً مع فوز روحاني بالرئاسة سنة 2013م، وعودته هذه المرّة على قمة وزارة الخارجية!.