في الخامس والعشرين من رمضان عام 658 هـجرية، انتصر المسلمون بقيادة الملك سيف الدين قطز في المعركة الخالدة "عين جالوت"، حيث قهرت الجيوش الإسلامية التتار، الذين قتلوا ملايين البشر من المسلمين وغيرهم، وقضوا على خلافة المسلمين في بغداد عام 656 هـجرية.
قبل معركة عين جالوت، لم تتعرض دولة الإسلام لأوقاتٍ عصيبة وعواصف منذرة ورياحٍ مرعبة مثلما تعرضت في القرن السابع الهجري، حين دمرت جيوش المغول بقيادة جنكيز خان حواضر الإسلام الكبرى في المشرق الإسلامي، وسفكت دماء المسلمين، وأتت على معالم الحضارة والمدنية، ولم تستطع قوة إسلامية أنْ توقف هذا الزحف الكاسح، وانهارت الجيوش الإسلامية وتوالت هزائمها، وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجر في موسم الخريف.
وقعت معركة عين جالوت يوم 25 رمضان سنة 658، الموافق الثالث من أيلول 1260 ميلادية، حيث استطاع فيها الجيش المسلم إنهاء الخطر المغولي الذي هدد العالم عشرات السنين.
كان السلطان المملوكي سيف الدين قطز (محمود بن ممدود الخوارزمي) قد تسلم حكم مصر بعد عدة صراعات دموية بين نهاية الأيوبيين وبداية المماليك، انتهت بانتزاع الحكم من نور الدين وريث السلطان المعز عز الدين أيبك، إذ كان حينها الوريث الجديد لا يزال يلعب مع الصبية في حين كانت الأخطار محيطة بالدولة من كل اتجاه.
وكانت الدولة قد ضاقت بضعفها بعد سلسلة الخيانات والنزاعات وبعد حكم الصبي الذي دمر ولم يصلح، ومع كل خبر جديد عن وحشية التتار كانت الأحوال تزاد اضطراباً وقلقاً، خاصة بعد وصول أخبار سقوط بغداد والدولة الخوارزمية وما حلَّ بهما وبسلاطينهما، وحاول الأيوبيون وعلى رأسهم الناصر حاكم دمشق الاتفاق مع هولاكو ضد قطز من أجل السيطرة على مصر والدخول تحت راية هولاكو وفشل في ذلك، وسُلمت الشام بذُل وخوف للمغول، وهرب الناصر إلى ظل قطز، لكنه لم يدخل مصر بل عاد إلى سيناء، ثم إلى الكرك، ثم تم أسره واقتياده إلى التتار.
جمع قطز الأمراء واتفقوا على قتل رسل التتار، فقُبض عليهم، وأمر بقتلهم وتعليقهم على أبواب القاهرة، وأُشيع الخبر بين الناس من أجل رفع روحهم المعنوية، وردّ على هولاكو بخطاب أقوى وأشد بلاغة.
بدأ قطز بتجهيز الجيش والتمهيد للأهالي بالحرب فقد لاقى كثيرا من الرفض والخوف من الحرب مع التتار بعد ما وصل إلى مسامعهم، وهنا كان قد وصل مكتوب هولاكو إلى قطز يهدده ويطلب منه الاستسلام وتسليم مصر، وقال فيه: "من ملك الملوك شرقا وغربا القان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء يعلم الملك المظفر قطز، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز، وسائر أمراء دولته وأهل مملكته، بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حلَّ به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أنْ ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرق لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تأويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع… الخ فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاها ولا عزا، ولا كافيا ولا حرزا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفنا إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى".
جمع قطز الأمراء واتفقوا على قتل رسل التتار، فقُبض عليهم، وأمر بقتلهم وتعليقهم على أبواب القاهرة، وأُشيع الخبر بين الناس من أجل رفع روحهم المعنوية، وردّ على هولاكو بخطاب أقوى وأشد بلاغة يخبره فيه: "إننا لا نستسلم أبدا وسنخوض الحرب معكم، وإن عشنا فسعيدا، وإن متنا فشهيداً، ألا إن حزب الله هم الغالبون".
خرج السلطان المظفر قطز بجيشه يوم 25 رمضان 658هـ (الثالث من أيلول 1260م)، وبصحبته الملك المنصور ملك حماة، وكان قد أمر الأمير ركن الدين بيبرس أن يقود عساكره ليكونوا في مقدمه الجيش إلى غزة كي يعرف أخبار العدو، بالإضافة لإيهام العدو بالعدد القليل للجيش، ثم حدثت معركة في غزة وتم القضاء على التتار الموجودين بها ولحق به قطز مع القسم الأكبر من الجيش وأخذ بيبرس يناوش ويراوغ قوات التتار ليخفي وجود الجيش الكبير، ثم انضمت قوات الجيش الاستطلاعية إلى القوات الكبيرة في الشام في منطقة عين جالوت، وهي قرية صغيرة تقع بين بيسان ونابلس في فلسطين.
حينما أحاطت قوات المسلمين بالتتار إحاطة السوار بالمعصم في عين جالوت، وتم حصار قوات التتار داخل السهل، أظهرت ميمنة التتار قوة وتفوقا وبدأت تضغط على الجناح الأيسر للقوات الإسلامية، وبدأت قوات المسلمين تتراجع تحت الضغط الرهيب للتتار، وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية والشهداء يتساقطون في أرض الموقعة، ولو أكمل التتار اختراقهم للميسرة لاستطاعوا الالتفاف حول الجيش الإسلامي وبذلك تتعادل الكفتان.
ألقي السلطان بخوذته على الأرض تعبيرا عن اشتياقه للشهادة وعدم خوفه من الموت وأطلق صيحته الشهيرة التي تتردد حتى الآن "واإسلاماه واإسلاماه"، والتي قلبت موازين المعركة، حيث ألقى قطز بنفسه وسط الأمواج المتلاطمة من البشر وفوجئ الجنود بوجود السلطان المظفر وسطهم يعاني ما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون، هنا التهب حماس الجنود وهانت عليهم جيوش التتار وحملوا عليهم وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة.
وكانت هذه المعركة من أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي هي الأولى التي خسر فيها التتار، وبهذه الخسارة الفادحة تم ضم وتوحيد العالم الإسلامي تحت حكم المماليك لأكثر من 270 عاما، فقد كان لمعركة عين جالوت أثر عظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة التتار في المعركة من تحجيم قوتهم، فلم يستطع القائد التتاري هولاكو الذي كان مستقرا في تبريز من التفكير في إعادة احتلال الشام مرة أخرى.