انخفاض الزيجات في الصين

بانوراما 2023/04/16
...

 نيكول هونغ وزيكشو وانغ

 ترجمة: بهاء سلمان

جلست ثلاثون امرأة على كراس خشبية، وجها لوجه داخل شكل مستطيل. كان في مقدمة الغرفة شعار الحزب الشيوعي الحاكم، المطرقة والمنجل، مع لافتة تعلن عن هدف اللقاء: "ندوة للنساء غير المتزوّجات في العمر المناسب."

وقام المسؤولون في مدينة دايجيابو، بلدة تقع جنوب شرق الصين، بجمع النساء وجعلهنّ يوقعن على تعهّد علني برفض "التسعيرة العالية للعرائس،" في إشارة لعرف يخص الزواج، حيث يدفع الرجل المال لعائلة زوجة المستقبل كشرط لإجراء الخطبة.وأعربت الحكومة المحلية، التي وصفت الحدث بوقت سابق من هذا العام على موقعها الالكتروني، عن أملها بنبذ الناس لمثل هذه الأعراف، و"البدء بتوجه حضاري جديد."ومع مواجهة الصين لتقلّص أعداد السكان، يعمل المسؤولون على تحجيم تقليد قديم لهدايا الخطوبة سعيا لتعزيز الزيجات، التي تشهد انحدارا ملحوظا. 


وشهدت الدفوعات المالية ارتفاعا هائلا عبر البلاد خلال السنوات الأخيرة، وصل متوسطها إلى عشرين ألف دولار في بعض الأقاليم، جاعلة تكاليف الزواج غير ممكنة التدبير بشكل متزايد. ويتم دفع تلك الأموال عادة من قبل والدي الزوج.


تحركات رسمية

ولأجل كبح هذه الممارسة، أقامت الحكومات المحلية حملات دعائية، مثل ندوة دايجيابو، بهدف إرشاد النساء بعدم التنافس فيما بينهن بالمطالبة بأسعار أعلى. وفرض بعض المسؤولين حظرا على الأمر، وتدخلّوا بشكل مباشر أحيانا في النقاشات العائلية.

ولاقى هذا التقليد رفضا مجتمعيا مع تغيّر وجهات النظر، فضمن الصينيين الأكثر ثقافة، وخصوصا داخل المدن، يرى الكثيرون أن هذه الممارسة عبارة عن بقايا أبوية من التي تعامل النساء كملكية خاصة يتم بيعها لأسرة أخرى. أما المناطق الريفية حيث يبدو التقليد أكثر شيوعا، حصل هناك امتناع أيضا بين المزارعين الفقراء الذين ينبغي عليهم توفير ما يكسبونه لعدة سنين، أو اللجوء إلى الاقتراض كي يتمكنوا من الزواج.

ومع هذا، تلقت الحملة الحكومية الانتقاد لأنها تعزز الصورة النمطية للتحيّز ضد النساء، فغالبا ما تصوّر منافذ الإعلام الصيني، من خلال وصفها مشكلة ارتفاع أموال الزواج، النساء اللاتي يطلبن مبالغ كبيرة بالجشع. وبعد انتشار ندوة دايجيابو بشكل هائل على وسائط التواصل الاجتماعي، تساءل معلقون هائجون عن السبب وراء إلقاء عبء حل المشكلة على النساء، وحث بعضهم المسؤولين على عقد لقاءات مشابهة للرجال لتعليمهن كيف يكنّ شريكات أكثر مساواة عند الزواج.

"مع أغلب سياسات الدولة الخاصة بالزواج، تعتبر النساء هن الهدف المركزي،" بحسب "جونكتاو سانتوس"، استاذ علم تطوّر الانسان المختص بدراسة الصين الريفية في جامعة كويمبرا البرتغالية، ويضيف: "إنها مطالبة أبوية للنساء بهدف الحفاظ على النظام والانسجام الاجتماعي، ولتحقيق أدوارهن كزوجات وأمهات."


نتائج غير متوقعة

ومن خلال استهداف النساء، تتجنّب الحملات الرسمية حقيقة أن المشكلة في جزء منها هي من صنع الحكومة، فخلال العقود الأربعة الماضية لسياسة الطفل الواحد، غالبا ما كان الآباء يفضلون الأولاد الذكور، لينتج عنها نسبة غير متوازنة بين الجنسين أدت إلى تنافس محموم على الزوجات. عدم التوازن واضح في المناطق الريفية، حيث يزيد عدد الرجال على النساء بنحو 19 مليون رجل؛ كما تفضل العديد من الريفيات الزواج برجال من المدن للحصول على رخصة تسجيل الأسر الحضرية، الذي يوفر منافذ لتعليم وإسكان ورعاية صحية أفضل.

ويجب على الرجال الأفقر ضمن المناطق الريفية دفع المزيد لأجل الزواج، لأن عوائل النساء يردن ضمانا أقوى يمكن توفيره لبناتهم، وهي خطوة لربما ستوصلهم لمزيد من الفقر. يقول "يواينغ تونغ"، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الصينية في هونغ كونغ: "حطّم هذا الحال عوائل كثيرة، فالآباء ينفقون جميع أموالهم ويصيبهم الإفلاس فقط ليجدوا زوجة لإبنهم." 

وأقرّ المسؤولون بمحدودية قدراتهم على إلغاء عرف تراه العديد من العوائل كونه يمثل دلالة على الوضع الاجتماعي، ففي المناطق الريفية، ربما يثرثر الجيران بكلام غير لائق حول النساء اللاتي يطلبن أسعارا متدنية، متسائلين إن كن يعانين من مشكلة ما، وفقا لباحثين.

ويرتبط هذا التقليد أيضا بالآراء المترسخة حول دور النساء. وفي أجزاء من الريف الصيني، لا يزال ينظر للدفوعات المالية كصفقة لعمل وخصوبة العروس من قبل والديها. فبمجرّد زواجها، يتوقع من المرأة بشكل معتاد العمل داخل منزل عائلة زوجها، وتصبح حاملا لطفل، وتكون مسؤولة عن أعمال المنزل وتربية الأطفال، والاهتمام بأقارب زوجها.


حسابات مادية

لكن ومع فرض الكلفة المرتفعة للمعيشة لفجوات في شبكة الأمان الاجتماعية للصين، فإن تأمين دفوعات مالية مرتفعة يمكن أن يصير وسيلة للعوائل المتدنية الدخول لتخزين مدخرات مالية لأجل فواتير طبية غير متوقعة وظروف طارئة أخرى. ومع معيشة الآباء لفترة أطول، تطالب بعض النساء بأسعار أعلى كتعويض عن كونهن مقدمات الرعاية الأساسيين للأجيال المسنة، كما يقول الباحثون. 

ويقول علماء الاجتماع إن الطريقة الأكثر تأثيرا للحكومة لكبح هذا التقليد ستتمثل بمزيد من الانفاق لجوانب رعاية الأطفال والرعاية الصحية للكبار بالعمر. ومع تصاعد تأخر الصينيين بالزواج، أو العزوف عنه كليا، هناك تحوّل لتوقعات الآباء حول دفوعات الزواج، كما تقول "ليو غيونغ"، 58 عاما، وسيطة الزواج في مدينة نانتشونغ، المشهورة بامكانية وصول مهور العرائس إلى أكثر من خمسين ألف دولار. وتشير ليو إلى أن الآباء التواقين إلى تسهيل بداية سلسلة للزواجات يعملون بازديداد على تجاوز الدفوعات المالية للمتزوجين الجدد واعتبارها هدية. ويريد بعض الآباء تزويج بناتهن بأي حال كان، ولديهم استعداد للإتفاق على أموال أقل ما زال أن الأصهار المستقبليين سيعاملون بناتهن بشكل حسن. 

الجيل الجديد من النساء، الأكثر ثقافة من آبائهن، ربما لديه دور يلعبه في تغيير الآراء حول هذه المسألة، فقد وجد استبيان جرى سنة 2020 لنحو ألفي شخص صيني إن الزوجين المتعلّمين تعليما عاليا لا يرجح أن يدفعوا مبالغ للعرائس، معتقدين أن الحب الذي يجمعهم يعد كافيا.   

ويرى المسؤولون أن الدفوعات المالية المسرفة تمثل مشكلة حرجة ربما تعرقل النمو الاقتصادي، وتثير عدم استقرار اجتماعي. عبر البلاد، تحاول المدن إشاعة فكرة الزاوج بدون مال بالمقابل، ففي آذار الماضي، رعت بلدية نانتشونغ زفافا جماعيا لمئة زوج وزوجة، من الذين اقترنوا بشكل جماعي داخل ملعب رياضي كبير، رافعين شعار "نحن نريد السعادة، لا سعرا للعرائس".


صحيفة نيويورك تايمز الاميركية