{المدى} و{تعافي} يعيدان الألق لمعهد الدراسات الموسيقيَّة

ريبورتاج 2023/04/16
...

   ذوالفقار يوسف

وأنت تدخل إلى هذا الإرث، تتلقف أذناك نوتات متنوعة، تنبثق كل نوتة من طوب بني به مكان كله سلام وسعادة، وبينما تلتصق عيناك بأعمدته وقد خيل لك بأنها نايات من زمن جميل لا فناء له، تعزف لتشدك نحو شبابيك وممرات تسحرك، بعد ذلك يأتي الإهمال ليجعلك تنبذ العوائق التي تحول دون رؤية الشعاع كاملا، مؤسسة (المدى) وبرنامج (تعافي) جلبا مداهما المساند نحو هذا الصرح، ليجعلا الموسيقى تتعافى وتنبض بنوتاتها مجدداً بحملة واسعة من الإعمار والتأهيل.

منير بشير، صلاح الدين المانع، روحي الخماش، شعوبي إبراهيم، وأسماء عديدة وعظيمة كانوا في أحضان هذا الصرح، يشاهدوننا بعيون أرواحهم لكي يجعلونا ننهض بهذا الإرث مرة أخرى، فمعهد الدراسات الموسيقية أو ما يسمى بـ (معهد الدراسات النغمية العراقي) والذي تأسس عام 1970، يعاني من قلة التخصيصات المالية التي تحرمه من الألق الذي عهدناه به، ومع ذلك كان لمؤسسة (المدى) وبرنامج تعافي كلمة أخرى نحو أفق جديد.


أول الفيض

ولأن للمدى صفة المساهمة الأولى كان لها النصيب الأكبر من تحقيقنا عبر حديث الدكتورة غادة العاملي المدير العام لمؤسسة المدى الثقافية، وهي توضح عبر منبر (الصباح) أهداف هذا المشروع وتقول: "لأن مؤسسة المدى في أول دخولها للعراق سكنت أحد البيوت التراثية ولكونها تعرف قيمة وأهمية هذه الأماكن وجمالها والمحافظة عليها وإدامتها، لم تكتف بهذا القدر بل كانت تبحث عن بعض الدور التراثية حتى تؤسس لمراكز ثقافية داخل بغداد وخارجها في محافظات العراق كافة".

وتضيف العاملي "لقد قمنا بترميم أكثر من مكان وأسهمنا بشكل منفرد أو بالشراكة مع جهات أخرى، مثل مسرح بغداد للفن الحديث، إذ كان مكاناً مهملاً ومتروكاً على مدى سنوات، فعملت (المدى) على فتح المسرح وتأهيله بالكامل وتسليمه للفنانين في أيام يوسف العاني وسامي عبد الحميد، لكن للأسف تم إهماله مرة أخرى".

وتابعت الدكتورة غادة العاملي حديثها لـ (الصباح) وقالت: "كانت مؤسسة المدى تمتلك مسرحاً سمي بـ "مسرح كهرمانة"، وجعلته تحت إشراف وتصرف الشباب المسرحيين وذلك لكي يقوموا بتدريباتهم وتمارينهم وعروضهم المسرحية، إلا أن المكان لم يعد مؤهلاً لاستيعابهم". 

أما عن مبادرة إعمار وتأهيل معهد الدراسات الموسيقية فأكدت أن "المعهد كمبنى هو مهم جداً وبموقع ستراتيجي مشرف على نهر دجلة وذو بناء تراثي وجاءت هذه المبادرة بالشراكة مع"USA"  من خلال برنامج تعافي، التي خصصت مبلغاً جيداً لتزيد مشكورة من قيمته من أجل ترميم المكان، وبالرغم من عدم كفايته لكن هناك ميزانيات محدودة لا بد من الالتزام بها، فالمعهد يحتاج إلى التفاتة من وزارة الثقافة، إذ إن هناك بعض التفاصيل التي لا يمكن لأي جهة التدخل بها إذا لم يكن هناك جزء من هذه الإصلاحات لصاحب المكان والمشروع. لذلك فإن ورشة الإعمار اختصت بإعادة تأهيل المبنى وترميمه، فضلاً عن ترميم الساحات والإدارة وما حول المعهد، بالإضافة إلى التجهيزات، مثل الأجهزة الكهربائية والآلات الموسيقية، فهناك العديد من الآلات الموسيقية النادرة التي تتم إعادة تجديدها وخزنها بطريقة مثالية لكي لا تتلف، وأيضاً تجهيز مكتبة موسيقية واستذكار الشخصيات التي مرت بهذا المعهد حتى يعطى من خلالها قيمة إضافية أمام الطلبة والمقبلين لزيارة المعهد".

مشاريع

وتؤكد غادة "أن هناك اهتماماً شخصياً أكثر من حكومي في إعادة إعمار المعهد، لذلك فإن العديد من الشخصيات بادرت نحو إنجاح هذا المشروع مثل وكيل وزير الثقافة الدكتور عماد جاسم الذي كان من المبشرين بالقضية، وللأسف فإن أي جهة نخاطبها تكون بصفتها الشخصية، وإذا وجد الاهتمام لديها فستسهم بالتأكيد مع (المدى)، أما الكيانات الرسمية والمخاطبات فهذا الشيء منعدم تماماً".

وتختم حديثها "لقد تم شراء عدة أماكن في بغداد من قبل (المدى) وذلك فقط للاهتمام بها وإدامتها والحفاظ عليها خوفاً من أن يتم هدمها أو تغيير معالمها، بالرغم من عدم حاجتنا إليها"، وتنوه "لدينا دعوات كثيرة ليس فقط للاهتمام بالبيوت الثقافية بل بشمول كل البيوت التي لها قيمة ثقافية، كبيوت الشخصيات والقامات الثقافية العراقية مثال على ذلك بيت الجواهري أو بيت زها حديد أو بيت نازك الملائكة، تلك البيوت التي تكون قبلة للمهتمين، ولكن للأسف أمانة بغداد غير مهتمة بهذا الأمر".


إنقاذ

يبين وكيل وزير الثقافة الدكتور عماد جاسم أن "مبادرة كبيرة قامت بها مؤسسة المدى، وبالتعاون مع برنامج تعافي، لإعمار وإصلاح معهد الدراسات الموسيقية الذي تأسس وأنشئ منذ عام 1970 وهو في هذه البناية العريقة التراثية التي يبتدئ بها شارع الرشيد والتي هي من أجمل بنايات بغداد، والتي تعاني منذ سنوات طويلة من غياب التخصيصات المالية".

وأوضح جاسم "جاءت هذه المبادرة وهذا المشروع ملبيين لطموح الطلبة والأساتذة وحتى الجمهور المحب لهذا المعهد الذي خرج العديد من الأسماء الموسيقية المهمة". 

وتابع "نحن متفائلون جداً بأن تكون هذه الخطوة بداية للنهوض بالمعهد من جديد، والبدء باستقبال أفواج محبي الموسيقى والتحضر والتمدن". 

ويؤكد جاسم "للأسف طيلة سنوات ونحن في وزارة الثقافة نعاني من غياب التخصيصات المالية، وبالتالي جاء هذا الإنقاذ بمساهمة ومشاركة مؤسسة (المدى) مشكورة، وبرنامج (تعافي)، ما يؤكد حرص هذه المؤسسة الثقافية التي تدفع باتجاه المشهد الثقافي ودعمه، ليمثل هذا المعهد أيقونة من أيقونات التحضر في العراق وبالتالي عملية الاهتمام به تعني الاهتمام بالثقافة العراقية".

وأضاف "لا ننسى أن عملية الترميم هذه تحت إشراف هيئة الآثار والتراث، وهذا الإشراف يمكننا من إبقاء طراز ومعمارية هذا المعهد الذي يعود بناؤه إلى مطلع القرن الماضي".


تعاون

بينما أوضح نقيب الفنانين جبار جودي أنه "جاءت زيارتنا إلى معهد الدراسات الموسيقية للاطلاع على أعمال الإعمار التي تقوم بها منظمة"USA " من خلال برنامج تعافي وبالتعاون مع مؤسسة (المدى) الثقافية".

ويبين جودي أن "هذا المبنى من المباني التراثية الجميلة جداً في بغداد لكنه تعرض لسنوات طويلة من الإهمال، وإن تأهيل هكذا أماكن ليس بالشيء البسيط لأنها أماكن تراثية، إذ لا بد من وجود اشتراطات لتأهيلها، لذلك أشد على أيدي القائمين على هذا المشروع".

ويضيف "من الضروري جداً أن نعتني بالفعاليات الثقافية والفنية العراقية ومن ضمنها هذا الصرح الكبير للثقافة والفنون العراقية المتمثل بمعهد الدراسات الموسيقية والذي خرج العديد من أساطير الموسيقى العراقية". منوهاً "نحن بدورنا في نقابة الفنانين العراقيين نقدم كامل الدعم لهكذا مشاريع، ونحن على استعداد للتعاون في تنفيذ أي مشروع من هذا القبيل".

ويتابع "سنخاطب وزارة التربية لإعادة نشاطات دروس الموسيقى والفنية والنشيد لإعادة هذه المناهج الفنية ضمن المنهج العام للدراسات لأهميتها".


أيقونة جاذبة

أما الأمين العام لاتحاد أدباء العراق عمر السراي فبين "أن إعادة إعمار وتأهيل معهد الدراسات الموسيقية مبادرة ثقافية ومعرفية مهمة لأنها تحاكي معلماً حضارياً أصيلاً، بقي صامداً عبر الزمن، كما ضم عدداً كبيراً من الفنانين وخرجهم وأشرف على تدريسهم، كما ينعم بوجود أساتذة أكفاء على مر الزمن خرجوا أجيالاً من الفنانين، لذلك يجدر القول أن عمليات الإعمار مبشرة بخير، وسوف يتحول هذا المكان إلى أيقونة جاذبة لطلبتنا يستطيعون من خلاله تذويب كثير من المفاصل التي تعاني منها المفاصل الموسيقية المهمة".

ويوضح السراي أن "عمل (المدى) هو عمل مشهود بالتصدي لمثل هكذا مشروع، فهو مشروع حضاري ومدني، ويصب في صلب أهمية بغداد كوجودها لؤلؤة وعاصمة لدولة عريقة اسمها العراق، كذلك استهداف هكذا مفاصل ربما عانت لمدة طويلة من حرمان على مستوى توفر الآلات والبنى التحتية، سيؤهل لنا جيلاً متميزاً نستطيع أن ننهض به على مستوى الفرق الرصينة والجيدة".

ويتابع الأمين العام لاتحاد أدباء العراق حديثه لـ (الصباح) ويقول: "زرت معهد الدراسات عن طريق وفد الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، واطلعنا على سيرورة الأعمال وهي مفرحة وحينها التقينا بوكيل وزارة الثقافة الدكتور عماد جسام وكان له دور كبير بدعم كل العاملين وجذب الأبصار والأنوار نحوهم، وكذلك مدير المعهد الفنان احمد سليم، وبوجود ممثل (المدى) الأستاذ ايهاب القيسي كان تجوالاً متميزاً وكأنك تسير في عالم من الحضارات والثقافة والمعرفة، نتأمل افتتاح هذا المكان، واستكمال هذه المشروعات، وكذلك نتأمل وجود مشروعات أخرى داعمة وساندة".


رسالة

مدير معهد الفنون الموسيقية احمد سليم غني تحدث لـ (الصباح) عن رؤيته لهذه الحملة، وقال: "بدأت حملة الإعمار في معهد الدراسات الموسيقية بتاريخ 1/ 3/ 2023 بعد مداولات عديدة مع الجهة المانحة وهي وكالة الـ USAID الأميركية، ضمن برنامج تعافي وعن طريق مؤسسة (المدى) الثقافية، وتم اختيار شركة رصينة للتأهيل من بين عدة شركات زارت الموقع، فضلاً عن تزويد المعهد بالآلات الموسيقية والأثاث بعد التأهيل، وحسب سقف المبلغ المرصود للمبادرة". 

ويتابع غني "تمت موافقة ومساندة معالي وزير الثقافة الدكتور احمد البدراني عن طريق وكيل الوزارة والمدير العام لدائرة الفنون الموسيقية الدكتور عماد جاسم الذي بذل بدوره جهداً استثنائياً لدعم المعهد إدارياً وإعلامياً ولوجستياً".

ويبين غني "أننا نشكر كل من أسهم في هذه الحملة التي كانت النور بعد سنين طويلة عانى منها المعهد من انعدام في التخصيصات المالية، بل وفرض رسوم مجحفة على الطلبة من قبل إدارة سابقة بعيدة كل البعد عن الميدان الثقافي بغض النظر عن الإدارات الجيدة التي ساعدتنا، وهذا جزء من وفائنا لدائرتنا المهمة، وجزء من الدفاع عن رسالتنا الفنية وللحفاظ على البنية التحتية للفن العراقي الأصيل والرصين والثقافة السمعية العراقية التراثية، والشكر موصول لجريدة (الصباح) على اهتمامها بمعهدنا وبكل المفاصل المهمة التي ترتقي بالثقافة العراقية".