«أبناء الماء».. رواية الأصوات المتعددة

ثقافة 2023/04/16
...

 شكر حاجم الصالحي 


بعد الفراغ من قراءة الصفحات المئة والثمانين، أيقنت أن السطور التي أضاءت الغلاف الأخير من (أبناء الماء) رواية السارد عواد علي، والتي جاء فيها أنها تقدم تمثيلاً سردياً لمعاناة نماذج إنسانية من النسيج العراقي المتعدد الأديان والأثنيات، غادرت بلدها مكرهة إلى بلدان اللجوء بسبب تعرضها هي أو أسرها، إلى أصناف مختلفة من الإرهاب، وتكشف أنباء الماء من خلال الأحداث التي ترويها شخصياتها، في سياق بوليفوني/ متعدد الأصوات، عن الواقع الافتراضي أو المتخيّل القائم على ثنائية القهر والحب، والفواجع التي أصابت فئات عديدة في المجتمع 

العراقي.

وتكشف (أبناء الماء) عن أن موضوعاتها الرئيسية تشير إلى النسيج العراقي الاجتماعي الجميل وإلى أخوتنا في الوطن الصابئة الذين نالهم العسف والتهجير بعد عام 2003، ويتضح هذا التخصيص من خلال المسميات الفاعلة في المتن الروائي مثل: جبرائيل، تيريزا، صليبا، سامان الجاف، ومهدي أنصاريان.

ولكي نمنح القارئ المزيد من الوضوح وبيان تفاصيل المعمار الذي شيّده عواد علي في أبناء الماء أضع هذا المرتسم التوضيحي الدال على المساحة التي تتحرك عليها شخصيات الرواية وكما هي في الواقع الافتراضي لها:

 ميران      57 صفحة

 تيريزا      17 صفحة

 سامان      19 صفحة

 أفرام         18 صفحة

 يوسف        25 صفحة

 أيجون        10 صفحات

 أيهان         10 صفحات

ونلاحظ من خلال هذا المرتسم أن ميران/ 57 صفحة شغل مساحة أوسع من بقية شخوص (أبناء الماء) السبعة، وتسيّد هذا (الميران) بفاعلية الحضور، فمن هو ميران؟

«كان عمري تسع سنين حين زارت الأم تيريزا بغداد عام 1991، يومها كنا نحتفل بعيد الخليقة (البرونايا) وهو كما تقول كتبنا المقدسة، ذكرى الخلق وتكوين عوالم النور، والأرواح الاثيرية الأولى. حيث تُفتح فيه بوابات النور، وتنزل الملائكة والأرواح الطاهرة فيعم نورها الأرض.. ص 9

 و... ــ اسمي ميران السبتي، و شاعر أيضاً، 

      ـــ عاشت الأسامي... ص 15

      ـــ أنا من محلة شعبية في الرصافة ببغداد اسمها (العاقولية) ذو سحنة حنطية، وقوام متوسط الطول، نشأت في زقاق ضيق من أزقتها التي تضج طول النهار بالنسوة والأطفال، ذكرها مؤرخ انجليزي اسمه فيليكس جونسون، قائلاً إنها محلة كبيرة عُرفت بهذا الأسم نسبة إلى جامع (العاقولي) الذي يضم قبر الشيخ جمال الدين أبن الشيخ العاقولي، وفيها أيضاً ولدت رائدة الشعر الحر في العراق نازك الملائكة واختها الكاتبة إحسان.. ص 43 . 

ــ في الذكرى الثانية لاغتيال والدي وأخي حلّ عيد التعميد الذهبي يوم الأحد، قبل ذلك بأيام حصلت على عمل جديد في محل لصياغة المجوهرات يمتلكه مندائي لاجئ ينحدر من قرية (اللطلاطة) في جنوب العراقي.. ص 81 

ـــ قبل أيام من وفاتها في الشتاء الماضي، أوصتني أمي بأن أرسل جثمانها، إذا جاء أجلها إلى العراق لدفنها جنب أبي وأخي في المقبرة المندائية، تمنيت لو أني استطيع تنفيذ وصيتها، لكن الأمر كان معقداً جداً، فاضطررنا إلى دفنها في المقبرة المندائية المخصصة للمندائيين في أوتاوا بطقوس مخففة اقتضاها واقع الحال والطقس المثلج .. / أبناء الماء ص 151 

ولا أريد هنا أن أفسد على القارئ متعته في اكتشاف المسكوت عنه في ثنايا و صفحات (أبناء الماء)، التي في خلاصتها نقلت لنا ملمحاً جلياً عن معاناة العراقي الذي أجبرته ظروف الوطن الملتبسة على الهجرة والبحث عن الأمان في أرض الله الواسعة.

لقد نجح الناقد/ السارد عواد علي في تقديم واقع حال كان ضحيته أبناء العراق من مختلف الألوان بعض النظر عن الانتماءات الفرعية، وكشف لنا عن معاناة المهاجر في بلدان اللجوء وحجم الحنين الى الرحم الأمومي الأول وذكريات النشأة الأولى.