بدور العامري
تصوير: خضير العتابي
عبادة وطاعة وصلاة وتلاوة وذكر ودعاء وصدقة وصلة وعمل الصالحات وفعل الخيرات، تجلى شأنها العظيم في أنها تعادل ألف شهر في خيرها وثوابها، هي رحمة لعباد الله وفرصة لمحو الذنوب وطلب العفو والمغفرة، بمباركة ملائكة السماء بعد أن حلوا ضيوفاً على الأرض في جو يملؤه السلام حتى مطلع الفجر.
فضائل
ويقول الشيخ الدكتور أحمد الوائلي (رحمه الله) في فضل ليلة القدر: إن هناك مزايا أخرى لهذه الليلة العظيمة في مقدمتها فضل نزول القرآن الكريم فيها كما في قوله تعالى "إنا أنزلناه في ليلة القدر" ذلك الإعجاز الذي أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص)، كما لليلة القدر فضل ومكانة عظيمة لأنه يكتب ويقدر فيها ما يجري على الإنسان من الأحداث في أيام السنة بأجمعها، ومن مختلف النواحي كأن يقدر له رزقه سعة أم ضيقاً، وهل سيرزق بابن أم لا، أو ما هو حال صحته مريض أم ينعم بالعافية والهناء، ويكتب تحت ذلك لله البداء، أي بمعنى أن كل هذه الأمور في علم الله، له أن يغيرها أو يثبتها، ويبين علماء الدين أن الروايات اختلفت في تحديد ليلة القدر وجعلها إحدى الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان وخاصة الفردية منها، وبحسب تفسير الإمام الصادق (ع)، فإن الحكمة من إخفاء ليلة القدر، هي كي يجتهد الناس في عباداتهم في أكثر من ليلة ويستمر المؤمنون في إقامة صلواتهم لآخر الشهر الفضيل.
أعمال وعبادة
في هذه الليلة تضيق الأرض بكثرة نزول الملائكة ومأخوذة من كلمة تقدر بمعنى تضيق لكثرة هبوط الملائكة الذين يباركون للمؤمنين ويصافحونهم ويأمنون على دعائهم، أما المنحرفون فتعرض عنهم الملائكة وهي الأرواح الخيرة التي ينزلها الله في تلك الليلة، فما أعظم هذا الشأن.
وبحسب الشيخ حمزة الموسوي هناك أعمال عامة يستحب القيام بها، بدءاً من ليلة اليوم التاسع عشر مروراً بليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين وبقية الليالي الفردية من العشرة الأخيرة لشهر رمضان المغفرة والطاعات، كما ذكرت في مفاتيح الجنان للإمام علي (ع)، أولها إحياء الليلة وعدم اغفالها، باعتبارها فرصة لا تعوض فيها تقدر الآجال والأرزاق ويقدر فيها كل شيء، كما يتوجب على المؤمن الغسل والطهارة لتزين هذه الليلة بتلاوة آيات الذكر الحكيم والإكثار من الدعاء والاستغفار وسائر العبادات التي دعانا الله اليها، كما تعتبر صلاة التراويح هي إحدى مظاهر شهر رمضان التي يحرص المسلمون على المواظبة عليها خاصة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
أجواء روحانية
بقلب خاشع ويدين ممدودتين إلى بارئها تطلب العفو والمغفرة والحاجات عن طريق التضرع بالدعاء الذي تخلل صلاة المئة ركعة، تقول الحاجة أم رشيد (67 عاماً) : اعتدت منذ سنوات عمري الأولى وأنا في مرحلة الرابع الابتدائي، الالتزام بالقيام وإحياء ليلة القدر مع والدتي وأخواتي الأكبر مني سناً، وكان من أهم طقوسنا في تلك الليلة هو أداء (صلاة المئة ركعة)، إذ كانت والدتي رحمها الله تهيئ لنا الأجواء الإيمانية الخاصة بليلة القدر مثل ملابس الصلاة والمسبحة وتشغيل كاسيت القرآن الكريم منذ وقت المغرب مع نفحات عطر البخور التي تضيف طعماً خاصاً لتلك المناسبة المفعمة بحب الشهر الفضيل وانتظار تحقيق المراد وإزاحة الهموم، ويبين السيد حمزة الموسوي "في ما يخص أعمال ليالي القدر المباركة المستحبة هي صلاة 100ركعة على نية صلاة ليلة القدر قربة إلى الله تعالى، وليس قضاء ما في الذمة من صلوات، إذ توجد هناك أحكام معينة تنظم قضاء ما تأخر من الصلوات على الفرد".
عظم الشأن
وفي فضل ليلة القدر أنها خــــــــير من ألف شهر، فأي مقام وشــــــــرف من أن تكون العبــــــادة في هذه الليالي تعادل ألف شهر، علماً أن ألف شهر تساوي ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهـــــــر، ويشير علماء الدين أن هذه الليلة الواحدة أفضل من عمر طويل يعيشه الإنسان، فأي منزلة عظيمـــــــة لهذه الليلة التي يرفرف فيها السلام منذ المغرب حتى مطلع الفجر، ففـــــي صحيح البخـــــــاري روي حديث نبوي شريف يصـــــــــف شأن ليلـــــة القدر "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقــــــدم من ذنبه" كما تذكر الأحاديث الأخرى عن النبي (ص) تحذيره للمؤمنين من الغفلــــــة وإهمال إحياء هذه الليلة، فيحرموا من خيرها وثوابها، إذ يقول لأصحابـــــــه وهم يستقبلون شهر رمضان "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شــــــهر من حرمها فقد حــــــرم الخير كله، ولا يحــــــــرم خيرها إلا محروم" وكيــــف لا يكون محروماً من يضــــــيع فرصة هي خير من ألف فرصة فيها تمحـــــــى الذنوب وتستجـــــاب الدعوات وتقســـــــم الأرزاق والأحوال.