الصيام تهذيب للنفس

استراحة 2023/04/17
...

يمتاز هذا الشهر الفضيل بأنّه شهر الصيام الذي اختصّ الله به نفسه، وحعل جزاءه عنده وحده، فقد ورد في الحديث أنَّ رسول الله "ص" قال: قال الله عز وجل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم. مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك. وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".

ومن الخصائص التي يختصّ بها الصيام دون غيره من العبادات:

1 - الربانية:  فتشريع الصيام في الإسلام تشريع رباني، فالله تعالى هو الذي شرعه، وفرضه على المسلمين بنص قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". [البقرة: 183].

وهذه الخصيصة من أهم الخصائص، فالله تعالى هو الذي فرض الصيام، فلم يفرضه نبي مرسل، أو ملك مقرب، ولا دخل لأي مخلوق أياً كان في فرض الصيام، فهو الفريضة الربانية التي فرضها الله تعالى على المسلمين في أمة محمد "ص"، والله تعالى فرض الصيام على من كان قبل أمة محمد عليه الصلاة والسلام. 

والمسلم في أمة محمد "ص"، وهو يؤدي فريضة الصيام يشعر بالغبطة والسعادة تملآن جوانحه، فهو يعلم أن الله تعالى هو العليم بمصالح العباد، فهو سبحانه وتعالى حين شرع لهم فريضة الصيام، وفرض كيفيته التي لم يتركها سبحانه للمسلمين كي يجتهدوا في تقديرها، ولو تركها لهم لاتسعت بينهم دائرة الخلاف، ولما وسعها رحب الأرض الواسع خلافاً.

2 - حفظه من التبديل والتغيير: إن الصيام في الإسلام محفوظ بعناية الله من التبديل والتغيير والزيادة، والنقصان، فبرغم ما مر بالمسلمين في تاريخهم من ظروف قاسية، وبرغم ما ظهر في ساحة المسلمين في بعض الفترات من ملاحدة، فلم يجرؤ أحد على مجرد المجاهرة بإنقاص أيام الصيام، وبقيت هذه الفريضة محفوظة مصانة، والمسلمون اليوم جميعاً يعرفون شهر رمضان بأنه شهر الصوم لا خلاف بينهم في ذلك، ويعرفون أن شهر الصوم قد يكون ثلاثين يوماً، أو تسعة وعشرين حسب رؤية الهلال، لا خلاف بين المسلمين في ذلك.

3 - ومن خصائص تشريع فرض الصيام: أن تشريعه يعكس وسطية التشريع الإسلامي، فالصوم في الإسلام وسطية واعتدال فهو وسط بين إفراط وتفريط، وسطية تراعي طبيعة التكوين البشري في الإنسان المسلم المكلف بالصوم، والإنسان هو مجموع مكون من الروح والجسد، فالروح لها أشواقها، وصفاؤها، وجاذبيتها وقوتها، فهي تجذب الإنسان إلى أصلها ومركزها، وتذكره بمنصبه، ومركزه، ومهمته، وغايته، وتثير فيه الأشواق والطموح، وتبعث فيه الثورة على المادة الكثيفة الثقيلة، والجسد يجذبه إلى أصله ومركزه التراب بكل ما فيه من كثافة، وثقل، وكل خصائص التراب، والإنسان بذلك تتجاذبه هاتان القوتان: قوة الروح بكل خصائصها وقوة الجسد بكل خصائصه ومكوناته، والإسلام جاءت أحكامه مراعية لهذا التكوين العجيب في الإنسان، فلم تعامله على أنه ملك، أو شيطان، فكان التوازن والاعتدال في هذه الأحكام التي راعت فيه جانبه الروحي، كما راعت فيه في ذات الوقت الجانب المادي في تكوينه، فكان الصوم في غاية المواءمة للإنسان في الإسلام فهو ليس وصالاً، وليس حرماناً من كل شيء، وليس طويلاً بل هو أيام معدودات لها بداية، ولها نهاية.

4- ومن خصائص التشريع الإسلامي في فريضة الصيام: أن الصيام نتيجته قيمة أخلاقية عالية هي رأس الأمر كله في الإسلام وتلك هي تقوى الله تعالى مصداقاً لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". [البقرة: 183]. فغاية الصيام في الإسلام هي التقوى، وللتقوى في الإسلام مكانة رفيعة، وفضلها عظيم فهي الأمان والنجاة من عذاب الله، والمصير إليها واجب، والله تعالى أوجب الصيام لأجلها فهي الحكمة الشرعية التعبدية للصوم وما جاء سوى ذلك من مصالح بدنية أو اجتماعية فإنها تبع.