الدراما.. والاصطدام بحاجز الرقابة
رضا المحمداوي
بدأَ الموسم الدرامي في شهر رمضان هذا العام بدايةً دراماتيكيةً صادمة حَمَلتْ معها عنصر المفاجأة للوسط الفني والإعلامي، فبعد حملة إعلانية ونشر العديد من مقاطع الفيديو الترويجية (بروموشن) لمسلسل (الكاسر) قصة: مسلم داود والسيناريو والحوار حسين النجار ومخرجه الأردني أيمن ناصر الدين، تم عرض الحلقة الأولى منه وما أن انتهت قناة (ut.v).
من عرض الحلقة حتى انتشر الكثير من اللغط ووجهات النظر المتابينة والآراء المختلفة، بل والمتناقضة بشأن المضمون وطبيعة البيئة العراقية المقصودة التي أشارتْ إشارة واضحة إلى بيئة وسط وجنوب العراق، وهو الأمر الذي أثار حفيظة عدة جهات شعبية ورسمية بدءاً من أعضاء في لجنة العشائر في البرلمان فضلا عن العديد من شيوخ العشائر والوجهاء والأوساط المجتمعية في مناطق تلك البيئة المحددة جغرافياً، فسارعتْ هيئة الإعلام والاتصالات إلى إنذار قناة (u t.v)، بضرورة إيقاف المسلسل نظراً لمخالفته قواعد البث الإعلامي والتي تحظر بث مواد تؤذي مشاعر مكونات النسيج الاجتماعي العراقي كما جاء في بيان الهيئة، لكن القناة ردّتْ على الانذار بعرض (كارت) سبق عرض الحلقة الثانية من المسلسل وتضمن النقاط التالية:
1 - إنَّ أحداث المسلسل مستمدة من الخيال وليست لها أيّة علاقة بالواقع.
2 - الأحداث والشخصيات والأماكن افتراضية ولا تمثل أيّة منطقة بعينها
3 - الحوار خليط من كل اللهجات العراقية والعربية وهذا مقصود ومحسوب
بعناية.
لمْ يوقفْ هذا التنويه الحملة التي شُنّتْ ضد المسلسل، في ما دخلتْ نقابة الفنانين كطرف ثالث بين القناة والهيئة حين بيّنتْ أنها هي من قامتْ بفحص وإجازة النص الدرامي للمسلسل بالاتفاق مع القناة المنتجة، ومن هنا كان دفاع النقابة عن المسلسل والانحياز له، لكن القرار الأخير لهيئة الإعلام والاتصالات وبكتاب رسمي كان بمنع عرض المسلسل نهائياً وسحب جميع حلقاته من المواقع الألكترونية مع إنذار شديد للقناة المنتجة.
حالات مشابهة أخرى
حالة الاصطدام بحاجز الرقابة التي شهدها مسلسل (الكاسر) يعيد إلى الأذهان حالة البرنامج الدرامي (ولاية بطيخ) في أحد مواسمه والذي اشترتْهُ شبكة الإعلام العراقي بمليار دينار وعرضتْهُ قناة (العراقية) وبعد عرض عدة حلقات منه وجدتْ القناة في مضمونه العام ما لا ينسجم مع خطابها الإعلامي الرسمي فاوقفتْ عرض المسلسل ومنعتْ عرضه.
وفي حالة مشابهة أخرى عانى منها الفيلم السينمائي (الوقاد) لمؤلفه الراحل سعد هدابي وإخراج فارس طعمة التميمي ومن بطولة حكيم جاسم وصبا إبراهيم والذي أنتجتْهُ دائرة السينما والمسرح وبعد إنجازه وجهوزيته للعرض تمَّ منع الفيلم من العرض بقرار وزاري من الحكومة السابقة بقي ساري المفعول إلى أنْ حَدَثَ التغيير الوزاري الأخير بعد تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء، فتمَّ إطلاق سراح الفيلم في عهد وزير الثقافة الحالي بعد احتجازه لمدة تقرب من عام كامل.
وفي حالة مسرحية مشابهة لمْ تمنحْ دائرة السينما والمسرح صلاحية نص وعرض مسرحية
(the home) لمؤلفها: علي عبد النبي الزيدي ومخرجها غانم حميد، إلّا أنَّ إحدى الجهات قامتْ بإنتاج المسرحية وتم عرضها في مهرجان المسرح العربي في دورته الأخيرة.
وأزاء هذه الحالات من المنع ومصادرة العمل الفني على مستوى الدراما التلفزيونية والسينما والمسرح نتساءل: هل لدينا رقابة صارمة ومانعة في العراق أم أنها حالات استثنائية لا يصحُّ تعميمها وإشاعتها وطرحها على انها نماذج سيئة من نماذج الرقابة المجحفة في التعامل مع المصنفات الفنية.
وهل يمكن أنْ يكون الوازع الأخلاقي بما فيه الموقف من منظومة العادات والتقاليد والبنية المجتمعية أو الاحتكام إلى الضمير الإنساني هو الأساس في الرقابة على المصنفات الفنية أم يتوجب علينا الاحتكام إلى مجموعة القيم والأسس والاعتبارات المتفق عليها أكاديمياً وفنياً وفي ضوئها يتم تحديد ما هو مباح أو محظور في طرح المفاهيم والأفكار والمعاني والمواضيع الاجتماعية والسياسية ذات المحمول الثقافي.
النص غير صالح للإنتاج؟
وهنا تبدو عملية الفحص والتقييم للنص الدرامي وهو ما زال مكتوباً على الورق وكأنها عملية نقدية خالصة مع الأخذ بنظر الاعتبار أنَّ النص الدرامي وهو بصيغته الجامدة على الورق هو غيره عندما يتمُّ تجسيدهُ فنياً على شاشة التلفزيون ويصبحُ مادة صورية متحركة نابضة بالحركة والحيوية ولها غوايتها حيث الجاذبية والشد الجماهيري، بمعنى أنَّ فحص المادة الدرامية بصيغتها الورقية يستوجب فحصاً آخرَ للمادة الدرامية وقد أصبحتْ عملاً فنياً.
فإلى أيّ الصيغتين يمكن الاحتكام هنا في إجازة العمل الدرامي هل في نسخته الورقية الثابتة أمْ بصيغته الصورية المجسّدة درامياً قبل منحه صلاحية العرض الجماهيري؟
ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ عملية الفحص للنص الدرامي بصيغته الورقية تنطوي على تقييم النص من الناحية الدرامية من حيث القوة والضعف أو المتانة والركاكة وفي أسلوب تقديم الشخصيات وإبراز أهم مكوناتها وعناصرها، فضلا ًعن توافر الحبكة على عناصر التوازن والدقة في رسم الأحداث والأفعال الدرامية، فضلاً عن قيمته الفكرية وصلاحية ما يطرحهُ من مضمون جاد أو رسالة مهمة، وأمام هذه المكونات والمبادئ الدرامية قد يكون النص ضعيفاً وغير مستوفٍ للشروط الواجب توفرها في متنه الدرامي؛ ولذا قد تكون نتيجة الفحص والتقييم بأن النص (غير صالح
للانتاج). ومن هنا يستمد الفاحص أو الخبير أهميتهُ في المراحل الأولى للانتاج قبل البدء بالخطوات التنفيذية اللاحقة، فكيف يمكن الاستغناء عن هذه المرحلة المهمة لتتم عملية إنتاج النصوص رغم عيوبها وعلاتها؟
وما أنْ يتم العرض الجماهيري لتلك النماذج حتى تنكشف عورة تلك النصوص الهزيلة أمام الجميع وينكشف معها مدى ما تحملهُ من رداءة أو ركاكة وما تتضمنهُ من أفكار تمسُّ الكثير من الاعتبارات والقيم الاجتماعية المستقرة في وجدان الجمهور العام.
وبنظرة نقدية موضوعية نجد هنالك غزارة إنتاجية نلحظها في الموسم الدرامي الخاص بشهر رمضان يقابلها انعدام أو ضبابية لمفهوم الرقابة عند جميع القنوات العراقية المنتجة للدراما، الأمر الذي يصل أحياناً إلى عدم تقنين الإنتاج الدرامي ودفعه إلى حافة العشوائية والمزاجية والخضوع التام لأجندات القنوات الفضائية وسياستها الإعلامية العليا.
اللقطة الأخيرة
ومن هنا تبرز أهمية الحاجة الماسة والضرورية للفحص الموضوعي ومشاهدة المادة الصورية للنصوص المجازة ورقياً قبل بثها العام للجمهور، وأقرب المؤسسات لمثل هذه المسؤولية هي وزارة الثقافة ودوائرها الفنية وكذلك شبكة الإعلام العراقي بالتعاون والتنسيق مع هيئة الإعلام والاتصالات بشرط أن تضم هذه المؤسسات لجانا فنية من أصحاب الاختصاص والخبرة والتجربة وتتمتع بالروح النقدية العلمية والموضوعية، وأن تكون على قدر هذه المسؤولية الثقافية الجسيمة والتي لها مساس مباشر بمنظومة الثقافة المجتمعية بجميع فروعها ومكوناتها الفاعلة.
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة