يعرب السالم
تحظى “الأنتيكات”، هكذا اعتاد الناس تسمية التحف والقطع القديمة من النحاس والمعادن ذات النقوشات، والأخشاب المزركشة وذات الألوان المبهرة، بطابعها التراثي الجميل باهتمام شريحة كبيرة من الناس، والسبب هو جمالية الصنع والدقة والغرابة في تصميم وتشكيل القطع والأعمال.
هذه الأشياء يتم جمعها إما رغبة فيها نظرا لتقادمها الزمني، أو لجمالها وندرته، أو لمزاياها الفريدة وفائدتها، وهي عبارة عن أشياء تمثل حقبة أو فترة زمنية سابقة أو قديمة في المجتمعات.
ذكريات
أطقم شرقيات دمشقية، شطرنج إيراني، رؤوس نسور وأباريق قهوة نحاسية يمنية، تماثيل فرعونية، مزهريات، وصحون عليها صور زعماء وملوك وفنانات، لم يبقّ منهم سوى دخان أحاديث، وذكريات ذائبة اختفت منها الروَح.
أسلحة قديمة مذهبة ذاب بريقها فتقاعدت، أساور فضية عراقية، سجاد مُلوّن بأحجام كبيرة يُصّر أصحاب المحال في الساحة الهاشمية، أنه إيراني المنشأ “كاشان” المدينة التأريخية التي تشتهر بصناعة السجاد.
وكأن جميع اصحاب المحال قد اتفقوا على اللغة والترحاب نفسيهما، بل أنك تشك في عتاقة الأجواء المصطنعة أحيانا، لولا الرائحة التي تفضح الأزمنة.
عادات
تطورت مهنة بيع “الأنتيكات” وتوسعت حتى أن ببغاوات الهند وامريكا الجنوبية، أصبحت تزاحم “الأنتيكات”، وهي تصدر أصواتا غير مفهومة، بل ان قسم منها يصيح عليك بعبارة “يعطيك العافية” عبارة تشبه “كواك الله”
بالعراقي.
غليون انكليزي مصنوع من خشب الصاج تتوسطه حلقة ذهبية، يخبرك صاحب المحل أنه للأديب الأنكليزي “تشارلز ديكنز” مع ضحكة صفراء.
“ابو عبد الله” صاحب محل وهوايته جمع الأنتيكات منذ الصغر يقول “هي مهنة أبي التي أحبها وجعلنا نعشقها، فهي عالم خاص من السحر، وأغلب روادنا هم من الخليجيين والعراقيين، وقد اعتاد أهل الخليج شراء الأباريق ودلال القهوة النحاسية ذات النقوش، كما أنهم لا يدققون في الأسعار، بينما يركز العراقيون على الساعات القديمة ذات السلاسل الذهبية، ورقع الشطرنج الإيرانية ذات الأحجار العاجية، لأنها مصنوعة بحرفية متقنة وغالية الثمن.
اقتناء
“سامر أبو الهيجا” محله في الساحة الهاشمية يقول “اشتري بضاعتي من الشام، فأنا متخصص في الأرابيسك والأطقم الخشبية المزركشة الشامية، والناس يبتاعونها بكثرة، وعلى الأغلب تكون مصنوعة من خشب الصاج البورمي غالي الثمن، فهو يتصف بالمتانة والجمال عند صبغه، وهناك أرابيسك مصنوع من خشب الزان والبلوط حسب الطلب.
وعند تجوالنا بين المحال تشعر بأن الوقت يسابق الزمن، لجمال التحف الفنية وتنوعها، وتمر بالكثير من الأجانب الذين يركزون على اقتناء التذكارات المُعبِّرة عن المكان أو حقب تأريخية، مثل الصحون التي تزينها صورة مدينة البتراء، أو الخزفيات الملونة الصغيرة والأقراط والأساور الحجرية القابلة للحمل أثناء
السفر.
“رضوان هاشم” صاحب محل أنتيكات ردا على تساؤلنا “ الأسعار متباينة من محل الى آخر، لكن الاتفاق الوحيد الذي يجمعنا هو أن موسم البيع هو فصل الصيف لكثرة السياح فيه، كما أن تقليد القطع الفنية موجود بكثرة، وقد يذهب ضحيته المشتري الذي لا يمتلك الخبرة في اقتناء الانتيكات، وأغلب القطع المقلدة تأتي من الهند والصين ومصر وبلدان أخرى، وليس الغش هو السبب بل الرغبة في توفير الأنتيكات للزبائن، كالخنجر اليمني والسيوف العربية والسجاد الإيراني والأباريق الشامية ومصابيح علاء الدين وفناجين القهوة المُطعمة بالنحاس والفضة”.
في نهاية المطاف ينتابك إحساس عميق بأن كل جمال وسحر الشرق قد اجتمع وازدحم في الساحة الهاشمية حاله حال الناس، كأنه مرآة موشومة بالعتاقة، تجسدت فيه جميع الفنون.