تلويحة في رحيل الشاعر كاظم السعدي

ثقافة شعبية 2023/04/27
...

 سعد صاحب

كان الشاعر كاظم السعدي، في فترة السبعينيات من القرن الماضي، مفتونا بالحلم اليساري الباذخ الجمال، ما انعكس على مجمل نتاجه الادبي، حيث نجد قاموسه الغنائي، يضج بالفل والياسمين والنرجس والخزامى، والحمام الوديع والسماء المشرقة و الشموس الضاحكة، والرومانسيات الجميلة الحالمة، والحميمية في العلاقات الانسانية الصادقة، والاطياف القادرة على تضميد جراحنا رغم الصعاب.

وكانت اغنياته تدعونا الى الرقص على انغام المحبة، الصادحة من مكان بعيد، وتأمرنا بايقاد الشموع ونثر الحلوى وتقديم الهدايا الى من نحب، كالثياب والعطور والاساور والقلائد، وان نحتفي بزغاريد البلابل والفراشات والشقائق والينابيع .( هله هله يا سمه/ يا شمسنه الباسمه/ من فرحنه يا شعبنه/ مدري طرنه اليا سمه ).


نجوم

من حرقة الشوق الساكن في قلوبنا المجهدة، اصبحنا اكثر قوة من النسور المحلقة في الاعالي، وطرنا اعلى واعلى الى اقاصي الفضاء، الممتد الى ما لا نهاية، واغرقنا الكون الواسع بالحب والوفاء والسلام والتضحيات والحنان، وحولنا النفس الانسانية الى واحة من الزهور، ونثرنا الغرام في كل بيت ومحلة وشارع وزقاق، وجعلنا سعادتنا من سعادة الوطن، واخفينا الالم عن المحبين، وصرنا طوقا الى النجوم، نحرسها من الظلام والانطفاء والخفوت، ونزيدها لمعانا حين تخبو في ليالي الشتاء المدلهمة .( من كثر ما بينه شوك/ طرنه فوك وبعد فوك / صرنه للنجمات طوك/ وبينه تتباهى 

السمه ).


ورود

غرامنا عقد مطرز باغلى الجواهر الثمينة، في سلسلة ذهبية طويلة ممتدة، من الروح العاشقة  الى القلب الجريح، الى نخلة باسقة اصيلة الجذور، الى كل محب لم يستبدل حبيبه القديم . وهاهي وجوه الاصدقاء باسمة رغم الاذى والجراح والتعب المضني والمشيب، تضيء مثل النهار المشرق بالانوار والمرايا والمواعيد، وبالشمس التي تبعث الامل في قلوب الحزانى، وسر هذا الفرح المتسلل الى دواخلنا المكتظة، بالهم والانتظار والصبر والرجاء، لانها وفت الى الارض حد المذلة والهوان، ولم تنم تحت افياء الورود الزكية الرائحة .( من كثر فرحتنه صار/ كل وجه شمس ونهار/ الورد فتح والزغار/ بين فيه وميسمه ).


سنابل

لم تذل الرجال امام المتاعب، وبعزمهم كل الصعاب تهون، وامام حلمهم يتلاشى المستحيل، وحتى التلال الصلدة تتراخى تحت قبضاتهم القوية، ومن تعود على الغناء وهو ينوء بالاثقال الشديدة، سوف يبقى مثل بحيرة تقاوم الحصى والطين والتراب والنباتات السامة، بالانشاد والترانيم والحب والعطاء، ومهما عانينا من الوخز والاشواك والجفاف والاحتباس، ولابد ان يتطاول سنبلنا البديع في الافاق، ولابد من موسم للحصاد الوفير .( تعبك وتعب الجميع/ تصير دنيتنه ربيع/ سنبل مذهب بديع/ عيني كرب موسمه ).

ترجمت الموسيقى الكلام بشكل تلقائي، فهي كما يقول شوبان : ( لغة الطبيعة السامية )، وقد ايقظت شعورنا نحو سحر الكون العظيم، وما فيه من الطيور والاشجار والغابات والعصافير والسنابل المذهبة، فكان اللحن عذبا مثل صوت طائر سعيد، وكنا نحس بالانغام الناعمة تسري في الوجدان، اما صوت المطرب سعدون جابر الانيق، طار بنا الى فضاء من الافراح والتهاليل والبشائر والامنيات .