المواد البلاستيكيَّة التي تلامس أطعمتنا من أسباب بدانتنا

بانوراما 2023/04/27
...

 أدريين ماتي 

 ترجمة: أنيس الصفار 


حين يتعلق الأمر بالتوقي من اكتساب كيلوغرامات زائدة في الوزن فإن مراقبة الطعام الذي نأكله لا تعود كافية وحدها.. بل علينا أن نبقي أعيننا مفتوحة ايضاً على الاغلفة والعبوات البلاستيكية التي تحفظ فيها تلك الاطعمة.  لقد ارتفعت معدلات البدانة بين البالغين في الولايات المتحدة من 14 بالمئة (خلال ثمانينات القرن الماضي) الى 42 بالمئة في وقتنا الحاضر، ومن المتوقع أن يصبح نصف سكان العالم تقريبا هم من البدناء او اصحاب الوزن الزائد بحلول العام 2035 وسوف يكون الاطفال والمراهقون هم اصحاب الزيادات الاعلى في معدلات البدانة وما يترتب عليها من آثار مضرة. 

وحيث إن البيانات التي حصلت عليها الجهات العلمية، حتى الان، لا تأتي معززة لفكرة أن الاسراف في الطعام وقلة التمرين فقط هما السببان المباشران المسؤولان عن ذلك التغير، توجه المجتمع العلمي للبحث عن عوامل اخرى قد تكون لها مساهمة في الأمر.. ومن بين تلك العوامل هي اضطراب التمثيل الغذائي، الذي تسببه أطعمة ومنتجات غذائية محفوظة داخل اغلفة من البلاستيك.

                         

فمن خلال دراسة كانت قد نشرت في العام الماضي توجه علماء من "الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا" للتعرف على المركبات الكيميائية الموجودة في 34 نوعاً من انواع المواد البلاستيكية، التي تلامس منتجات مختلفة وتدخل في طعامنا وشرابنا، مثل اقداح اللبن الرائب (اليوغرت)، وقناني العصير، واطباق ومغلفات الستايروفوم التي تحفظ فيها اللحوم ومغلفات الحلوى والأغلفة البلاستيكية التي تستخدم في حفظ الجبن، وكذلك مواد اخرى كثيراً ما نجدها في مطابخنا مثل مفارش البولي- يوريثين والاسفنج.


اضطراب التمثيب الغذائي

في هذه المواد البلاستيكية عثر الباحثون على 55 ألف مادة كيميائية، منها 629 مادة معروفة فقط. من بين هذا العدد 11 مادة معروف عنها انها تسبب ما يسمى "اضطراب التمثيل الغذائي"، مثل مجموعتي الفثالات والبايسفينولات التي تتداخل بتأثيراتها مع قدرة اجسامنا على تنظيم الوزن الى جانب تأثيرات اخرى مربكة 

للصحة. 

بيد ان العلماء حين عرّضوا اوساطاً خلوية داخل المختبر للمؤثرات، اكتشفوا فيها أن هناك مواد اخرى اكثر بكثير من تلك المواد (11 مادة) المسببة لاضطراب التمثيل الغذائي، لديها القدرة على اطلاق العملية المسماة "أديبوجينسس" أو التكون الشحمي، وهي العملية التي تكمن وراء حدوث البدانة نظراً لتسببها بتكاثر الخلايا وما يتبع ذلك من تراكم الزيادات 

الدهنية.

يقول "مارتن واغنر"، وهو أحد المشاركين في الدراسة: "نحن على يقين كامل بأن هناك في المنتجات البلاستيكية كثير من المواد الكيميائية القادرة على ارباك عملية التمثيل الغذائي في الجسم، وكل ما في الأمر هو اننا لم نتمكن من تشخيصها 

جميعاً." 

الأمر المذهل هو أن واغنر وزملاءه اكتشفوا أن ثلث المنتجات الشائعة التي اخضعوها للاختبار تحتوي على مواد كيمياوية من شأنها اطلاق عملية التكون الشحمي. 

وعلى الرغم من اننا نتعرض لهذه المواد بشكل يومي، يبقى معظمها لغزاً غامضاً، وذلك لأن احداً لم يدرسها دراسة وافية او يخضعها 

للسيطرة.

تصنع المواد البلاستيكية من مركبات كيميائية مصدرها الوقود الاحفوري بعد اجراء عملية التصفية، وهذه المواد يجري مزجها بانواع عديدة اخرى من المواد الكيميائية، التي تكون سامة في أغلب الأحيان، وذلك لأجل إكسابها خصائص مرغوبة، مثل اللدانة ومقاومة 

الماء. 

لقد بتنا ندرك الآن أن المواد الكيميائية لا تبقى قابعة في مكانها ضمن المادة البلاستيكية، وإنما هي قادرة على التسرب من الغلاف البلاستيكي الى المادة الغذائية. فخلال شهر آذار الماضي أثبت علماء من جامعة "مكجل" ان المواد المسماة "بايسفينولات"، المسرطنة والمسببة للسمنة، التي توجد ضمن اللصقات المثبتة على الاغذية، مثل العلامات التجارية (ستكرز) قادرة على التحرك منتقلة عبر جدار الاوعية البلاستيكية الى أن تصل الى المواد الغذائية التي يتناولها الناس، وفقا لما أعلنه "ستيفان بايين" وهو استاذ مساعد في مجال علم الاغذية والكيمياء 

الزراعية. 

فعلى مدى سنوات كان الخبراء يحذرون من استخدام الحاويات البلاستيكية لحفظ الأغذية، لا سيما الساخنة او الدهنية، التي يمكن أن تفقد البلاستيك استقراره الكيميائي وبذلك تزيد من خطر تسرب المواد الكيميائية الى المادة الغذائية المحفوظة. 


الحاجة لمزيد من الأدلة

كثيراً ما ينصح العلماء الذين تحدثنا معهم بضرورة المباشرة بتقليل تعرضنا للبلاستيك بلا أي تأخير، وعدم البقاء منتظرين لمزيد من الابحاث بطيئة الخطى قبل أن نقطع الشك باليقين والجزم، بأن المواد البلاستيكية الموجودة في غذائنا ومنتجاتنا ودمائنا واعضائنا هي عوامل خطر قد تسفر عن عواقب صحية وخيمة. واغنر نفسه ليس استثناء عنهم، فعلى الرغم من أننا لم نتمكن بعد من إقامة علاقة سببية بين المواد الكيميائية المسببة لاضطرابات التمثيل الغذائي الموجودة في البلاستيك والبدانة الوبائية الواسعة يتساءل واغنر: "كم من الادلة نحتاج بعد قبل ان نتخذ خطوة التصحيح؟"

ثمة خبر ايجابي محتمل حملته إلينا الدراسة النرويجية، ففي حين أن بعض المنتجات البلاستيكية تحتوي على مواد كيميائية تجعل الخلايا الدهنية تتكاثر هناك منتجات اخرى مماثلة لا تحتوي عليها. 

فالبلاستيك الشفاف مثلاً، الذي يستخدم بصورة رئيسية في قناني المياه المعبأة، لا يحتوي على مواد كيميائية  تسبب اضطراب عملية التمثيل الغذائي، بل إنها في الواقع تعتبر بسيطة نسبياً من الناحية 

الكيميائية. 

كما إن بعض صحون الفاكهة المصنوعة من البوليستايرين ستايروفوم كانت لها على الاوساط الخلوية تأثيرات محفزة على البدانة، ومع ذلك، فإن أنواعاً أخرى من تلك الصحون لم يكن لها مثل هذا 

التأثير. 

معنى هذا أن بعض منتجي البلاستيك لديهم القدرة، سواء بقصد او بغير قصد، على انتاج اصناف من البلاستيك تكون أقل ضرراً. فلو ان المنتجين الصناعيين كانوا اكثر شفافية في ما يتعلق  بالمجموعة الكاملة من المواد الكيميائية التي تحتويها منتجاتهم، لتمكن المستهلكون من اختيار انواع البلاستيك ذات التركيبات الأكثر امناً، ولكان بالامكان وضع معايير سلامة افضل للأمن الصناعي على نحو 

عام. 

في واقع الأمر ينبغي أن يكون تقليل تعرضنا للبلاستيك هو هدفنا الحالي، حيث يصف الخبراء الاسلوب الذي تنتهجه الجهات المرتبطة "بإدارة الغذاء والدواء"، لكي تتمكن من ضبط المواد الكيميائية المستخدمة في تعبئة وتغليف المواد الغذائية بأنه قديم ومتخلف الى درجة محزنة، هناك احتمال ايضاً ألا يكون حتى منتجو البلاستيك أنفسهم على يقين من المواد الكيميائية، التي ينتهي بها المآل الى المنتجات التي يصنعونها. 

لكن من الواضح ان هذه المواد البلاستيكية والمواد الكيميائية المصاحبة لها قادرة على الوصول الى اجسامنا عن طريق الانتقال من الاغلفة وكذلك يمكن ان تصل إلينا بصورة دقائق بلاستيكية مايكروية، إذ يتناول الانسان خلال حياته ما يقدر بنحو 20 كيلوغراماً من 

البلاستيك.

الفكرة الرئيسية هنا هي أننا حين نفكر بحذف الاطعمة المضرة من وجبات طعامنا يجب ألا تكون المواد المستهدفة هنا مقتصرة على الحلويات والصودا.. وإنما علينا التخلص من البلاستيك ايضاً.


عن صحيفة الغارديان البريطانية