هل اليمن على حافة تحقيق السلام؟

بانوراما 2023/04/29
...

  دانييل ديبرتيس

  ترجمة: بهاء سلمان


اليمن، هذا البلد الجميل الذي سقط فريسة لحرب أهلية متعددة الأطراف والأبعاد منذ العام 2014، يتلقى أخيرا بعض الأخبار الايجابية، حيث تشير التقارير إلى أن السعودية والحوثيين، وهما من أكبر اللاعبين في الحرب، على بعد أسابيع من توقيع اتفاقية سلام.

وبحسب تقارير رسمية، يواصل المسؤولون السعوديون والحوثيون مناقشات مكثفة على اتفاقية ستعمل على تمهيد الطريق لمفاوضات أوسع بين الحوثيين وخصومهم في الحكومة اليمنية المدعومة دوليا. وكان السفير السعودي لدى اليمن، محمد الجابر، قد ذهب جوا إلى صنعاء يوم العاشر من نيسان الماضي، يرافقه أشخاص من دولة عمان المجاورة، بهدف تسهيل المهمة، وللقاء كبير المفاوضين الحوثيين.

وتتضمن الشروط المطروحة إجراء وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، الأمر الذي سيعمل على إيقاف الصراع، واتاحة الفرصة للمتحاربين اليمنيين للبدء بمعالجة الخلافات السياسية الجوهرية بين الطرفين. وسيتم رفع الحظر الذي تفرضه السعودية على الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لتتسارع عملية ايصال المساعدات الانسانية إلى البلاد؛ كما ستتم إعادة افتتاح مطار صنعاء الدولي، الذي فرضت الرياض أيضا تقلّيصا لأعماله، وسينهي الحوثيون من جانبهم حصارهم الطويل على مدينة تعز. وهناك نقاش جار أيضا على المنطقة الفاصلة بين السعودية وشمال اليمن، وهي المنطقة الأم للحوثيين، رغم أن التفاصيل الدقيقة لكيفية عمل المنطقة ومن سيفرض سلطته عليها ليست معروفة لغاية الآن.

وتقدّمت الدبلوماسية إلى المرحلة التي جعلت أطراف أخرى، وبضمنها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تنتبه لما يجري، وتشير علنا إلى أن السلام ربما سيلوح في الأفق. وسيذهب المبعوث الأميركي الخاص “تيم ليندركنغ” إلى المنطقة خلال الأيام المقبلة للقاء المسؤولين اليمنيين والسعوديين، في مسعى تصفه الخارجية الاميركية بـ”دعم الجهود المتواصلة لتأمين اتفاق جديد على عملية سلام شاملة.” وتحدث مستشار الأمن القومي الأميركي “جيك سوليفان” إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول عملية السلام في اليمن، ورحب “بالجهود الاستثنائية” للرياض بهدف مواصلة التحرّك بالمسعى الدبلوماسي. ومن الصحيح القول إن كبار المسؤولين الأميركان لم يكونوا ليطلقوا مثل هذه التصريحات لو لم يكونوا قد اعتقدوا بوجود فرصة طيّبة لانتهاء المحادثات السعودية الحوثية بتحقيق النجاح.


فداحة الموقف الانساني

بكل تأكيد، كل واحد منا يأمل أن تنتهي المفاوضات على خير، فملايين اليمنيين يعيشون وسط أجواء قاسية جدا على مدار السنوات الثماني الماضية، مع غارات جوية سعودية، وهجمات حوثية غير مقيّدة، وحالات من الحصار والحظر نتج عنها ما تشير إليه الأمم المتحدة بكونها الأزمة الانسانية الأسوأ في العالم. وربما تكون “فاجعة” هي الكلمة الأفضل، فالاحصائيات تثير الرهبة: أكثر من 23 مليون يمني، وهم يمثلون تقريبا ثلاثة أرباع أعداد السكان، احتاجوا إلى مساعدات انسانية خلال العام الماضي، وعانى 17 مليون فرد من انعدام الأمن الغذائي، وهناك أربعة ملايين شخص نازحون داخل البلاد، كما توفي 233 ألفا آخرين. وحصل هناك الكثير جدا من خروقات جرائم الحرب، بعضها تم تنفيذه باستخدام ذخيرة اميركية وطائرات أميركية الصنع، لم تتمكن أكثر منظمات حقوق الانسان حيادية ومهنية من توثيقها جميعا.

ولدى السعوديين، الذين كانوا فيما مضى مصرين على دحر جيش الحوثيين وإعادة تنصيب الحكومة اليمينة بشكل كامل، لديهم تفاؤل بالوصول إلى إتفاق. وبرغم الزعم الكبير لولي العهد السعودي، حينما أبلغ المسؤولين الأميركيين عند بداية الحرب من أن العمليات العسكرية ستنتهي خلال ستة اسابيع فقط، سعت السعودية طيلة سنوات لتخليص نفسها من حرب هي اختارتها، فالأمر برمته كان هائلا وعكسيا على السعوديين، وأثبت أنه يمثل عناء أكثر مما يستحق.

من الناحية العسكرية، لم يتم تحقيق أي هدف؛ فالحوثيون يسيطروا على صنعاء فقط، بل قاموا بإنشاء أجهزة دولة صارمة للغاية في المناطق التي يسيطرون عليها. ومن الناحية الدبلوماسية، تلقت السعودية ضربة في الغرب على سلوكها، أما من الناحية الستراتيجية، عملت الحرب على جعل الحوثيين وايران، المنافس الرئيس للسعودية في الشرق الأوسط، أكثر قربا، وهو نقيض ما رغبت به العائلة السعودية المالكة.


محاولات مختلفة

ومنذ سنة 2019 على أقل تقدير، أجرت السعودية محادثات حذرة مع الحوثيين لإيقاف التبادل الدوري لإطلاق النار عبر الحدود، وتفكيك القدرات الصاروخية للحوثيين في منطقة الحدود. وأرغمت الرياض الرئيس اليمني المعترف بحكومته دوليا، عبد ربه منصور هادي، على التقاعد في السنة الماضية، ناظرة إلى الرجل السبعيني كعقبة أمام انهاء الحرب تحت كل الظرف التي تواجهها.

استبدال هادي بمجلس رئاسي مكوّن من ثمانية أفراد تم التخطيط له بهدف جلب المكوّنات السياسية والجغرافية اليمينة المتعددة سوية باتجاه عملية دبلوماسية، ومنحهم حصصا متساوية عند نجاحها. ويقوم ولي العهد السعودي بكل شيء ممكن، لأنه كان معولا عليه في البداية لإعادة الاوضاع إلى مرحلة ما قبل الحوثيين، ما عدا الانسحاب من جانب واحد، لأجل انهاء تدخّل السعودية في الحرب.

لمجرد أن السعوديين قد يكونون في طريقهم للخروج، لا يعني ذلك أن القتال نفسه سينتهي. فالحرب في اليمن لا تمثل منافسة تقليدية بين طرفين، وإنما مشهدا مختلفا لفصائل مختلفة يعتمد مفهومها على ما يبني سلاما مقبولا وسط الظروف الاقليمية، والمحلية الخاصة.

من الناحية النظرية، يبدو أن المجلس الرئاسي الذي أنشأه السعوديون يمثل جانبا واحدا، لكنه في الواقع يتألف من كتل متفرّقة، مع اختلاف في وجهات النظر لكيفية بناء نظام سياسي لليمن، وبناء الدولة الإدارية. لنأخذ مثالا واحدا: يريد المجلس الانتقالي الجنوبي حكما ذاتيا، ولربما حتى الاستقلال، لمناطق اليمن الجنوبية، ولا يخشى من تحدي الآخرين داخل المجلس الرئاسي، الذين يفضلون تأجيل المسألة إلى أجل غير مسمى.

لا يزال الاتفاق السعودي الحوثي معلقا، لكن إذا تم التوصل إلى اتفاق على أرض الواقع، سيكون الصراع قد طوى صفحة منه. لكن ليس لنا أن نتوقع انتهاء الصراع بشكل فوري.


مجلة نيوزويك الاميركية