علي حسن الفواز
اقترحت الصين أفقاً لتسوية الأزمة الأوكرانيَّة، والبحث عن حلول واقعية، يتخفّف فيها الجميع من ضغوط الحرب الطويلة، ومن التعقيدات السياسية والاقتصادية التي ترافق مجرياتها، وما بعدها.
ما جرى في الاتصال الهاتفي بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الأوكراني زيلينيسكي يكشف عن نوايا تلك المقترحات، لتنأى بكين بنفسها بعيداً عن الاتهامات التي تلاحقها من الغرب، ومن الولايات المتحدة بالانحياز إلى روسيا، وعلى نحوٍ يجعلها تتبنى خطاب "الحياد" عبر الدعوة إلى البدء بحديث المفاوضات، والركون إلى الواقعية السياسية، والتنازل عن لعبة السقوف العالية، والتي لا تتناسب مع ما هو موجود في الميدان.
الدخول الصيني يمكن أن يكسر الحدود الصلبة لحرب الجغرافيا، وأن يُعطي زخماً لإعادة صياغة مقدمات حوارية، تخضع للتوافقات، ولحسابات المصالح، ولقطع الطريق على الخيارات الصعبة، النووية وغيرها.
يقول الرئيس الأوكراني: إنَّ اتصاله كان طويلاً وبنّاءً، وله تبعاته السياسية والدبلوماسية، مقابل ذلك صرَّح الرئيس الصيني بأنه سيوفد مبعوثاً له لزيارة كييف، والسعي إلى بناء علاقات فاعلة ومتينة مع أوكرانيا، وباتجاه نزع الغطاء عن "الترهيب" الذي تفرضه دول "الناتو" على أيّ حوار غير مشروط مع روسيا، والذي سيعني الاحتفاظ بخيار الحربِ رهاناً على مواجهة روسيا واستنزافها اقتصادياً ومحاصرتها سياسياً.
تصريح جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي يكشف عن رغبات مُبطّنة ومواربة للقبول بفكرة الحوار الذي اقترحه الرئيس الصيني، وعلى وفق آليات وشروط، يمكن أن تجعل من الرئيس زيلينيسكي "مستعداً لها"، إذا كان فيها "السلام مستداماً وذا مصداقية"، كما قال كيربي. الشكوك الروسية قد تكون أكثر مناورة في التعاطي مع هذه الخيارات، لاسيما بعد تقويض كثير من مبادرات الحوار، والتي تتقاطع فيها شروط هذا الطرف أو ذاك، أو التي تأتي بخلاف الحسابات الجيوسياسية التي تهدف من ورائها الولايات المتحدة لإنهاك روسيا اقتصادياً، وإلى إدخالها في صراعات دولية وإقليمية، وصولاً إلى عزلها عن العالم، وهذا ما يجعل الدخول في مفاوضات حقيقية محكوماً بتأطيرات ضاغطة للتوافق، وبما يجعل من أوكرانيا أكثر مرونة، ومن روسيا مطمئنة لما يتوافق بين ما يحدث في السياسة والدبلوماسية، مع ما هو موجود على الأرض.