السودان والحلول الصعبة

قضايا عربية ودولية 2023/05/02
...

علي حسن الفواز



تتعدَّد "الهدنات" بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكنها لا تعني فتح الأفق لمناقشة الاتفاق على نهاية الحرب، ولا البحث عن توافقات واقعيَّة، أو تقديم تنازلات تساعد على فكّ اشتباك المتصارعين.

استمرار الصراع يعني تقويض الفرص ووضع السودان إزاء جحيم الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، فضلاً عن تهديد ملايين السكان بالكوارث الإنسانية، وتحويل البلد الذي يُسمى "غلّة العرب" إلى بلد للفقر والمجاعة والأمراض.

الاتفاق على هدنة هنا، أوهناك، وبهدف فتح ممرات إنسانيَّة، وتسهيل حركة الناس، يعني من جانب آخر تسهيل إفراغ السودان من التغطية الدبلوماسية، ومن عمل المنظمات الدولية، فسرعة اندفاع الدول إلى دعوة جالياتها لمغادرة السودان، والقيام بأوسع عملية دولية للإجلاء، تكشف عما يشبه العجز إزاء نهاية محتملة للحرب.

هذه الإجراءات تعني أيضاً ترك الساحة للصراع بين السودانيين، مقابل البحث عن حلول سياسية من وراء الحدود، قد "لا تغني ولا تشبع" مع فرقاء يملكون ترسانة عسكرية كبيرة، فضلاً عن إمكانية تحويلها السودان إلى ساحة لحسابات المصالح بين دول المنطقة، وللتدخلات من قبل الدول الكبرى.

طبيعة الصراع وتجدد الاشتباكات العنيفة بين الفرقاء داخل المدن، يُنذران بنتائج كارثية، وبأخطار إنسانية وستراتيجية كبيرة، وأحسب أنَّ إحصائيات المنظمات العاملة في السودان تكشف عن الصورة السوداوية لهذه النتائج، فأغلب المستشفيات خرجت عن الخدمة، وأغلب المطارات لم تعد صالحة، والشوارع لم تعد آمنة، ومنظومات الخدمة العامة قد توقفت، حتى بات السودانيون وكأنهم يبحثون عن سودان آخر، وربما التفكير بخيارات "اللجوءات" القاسية، التي يلجأ لها الناس اضطراراً مع معاناة بلدانهم جرّاء رعب الصراع الأهلي.

قد يبدو الحل العسكري صعباً، والاتفاق على معالجة سياسية يقودها العسكر أكثر صعوبة، ولم يبق في الأفق سوى الاتفاق على اختيار حكومة مدنية انتقالية، أو للطوارئ، وبدعم دولي، وبصلاحيات واسعة، تُمكّنها من الفصل بين القوات، وإعادة القوات العسكرية المتصارعة إلى ثكناتها، ومعالجة ملف "القوات المسلحة" في ظروف بعيدة عن أجواء الحرب، وبما يجعل نصاب الأمور أكثر حاجة إلى التوازن، ولقطع الطريق على المزيد من العسكرة التي لم يجنِ منها الشعب السوداني سوى الانقلابات والصراعات الدامية.