حسن الكعبي
الفن بشكل عام هو انتاج معرفي متساوق مع أنظمة انتاج المعرفة، ويحتل الممثل/ الفنان دوراً مهماً وأساسياً في انتاج الثقافة والمعرفة، كما تحتل السينما بشكل عام هذا الدور في الانتاج، ومن ثم فإن متابعة الفن من منطلق هذه التصورات تسهم باعطاء دروس تسهم بتسليط الضوء على دور الفن والفنان في انتاج المعرفة.
ففي ما يخص الفنان/ الممثل سواء كان هذا الممثل مسرحياً فهو متورط بالفلسفة والمعرفة في سياق ما توفره النصوص المسرحية من مناخات معرفية وفلسفية، أو إذا كان هذا الممثل سينمائيا فان المناخ المعرفي والفكري توفره السيناريوهات العظيمة فضلا عن خاصية تقمص الشخصيات بابعادها الثقافية والسيكولوجية، وهي خاصية تحتاج الى موهبة لا تتوافر الا عند الممثل بشكل
خاص.
إنَّ دور السينما في انتاج الثقافة والمعرفة يتصل بشكل عام بدور الكادر الفني في صناعة السينما، وفي هذا السياق سأتناول فيلم الخيال العلمي (اليوم بعد الغد، من إخراج رولان إيميريش ومارك جوردن ومن تمثيل جيك جيلنهال وايمي روسوم) بوصفه انموذجا في صناعة المعرفة، وأن اختيار أنموذج من الخيال العلمي يأتي بقصدية في هذا المجال باعتبار أن هذا النمط من الافلام لا يباشر المعرفة والثقافة وانما هذه (أي المعرفة والثقافة) تظل أنساقا ثاوية في بنية الفيلم، لأن هذا النمط من الافلام يقوم على عوالم افتراضية وأحداث متخيلة تحاول أن تتقرب لمنطقة التحليل العلمي.
تدور أحداث هذا الفليم حول نهاية العالم كما نعرفه وبداية عصر جليدي يهدد البشرية وبازاء هذا التهديد يقترح عالم المناخ (هل) الممثل - دينيس كويد - أن يغادر سكان امريكا إلى الجنوب وتحديدا إلى دول العالم الثالث لكنه، يواجه مشكله وجود ابنه في قلب العاصفة على رأس رحلة مدرسية تلجأ لمواجهة خطر العاصفة الى المكتبة الوطنية، يؤمن (هل) اتصالا مع ابنه ويخبره أن يقاوم لعشرة أيام فقط عن طريق احراق كل شي يصادفه، لا يجد الابن سوى كتب المكتبة فيقترح احراقها، لكنه يواجه معارضة من قبل محبي المعرفة من موظفي المكتبة لكن بعد ذلك يقتنعون بشكل جزئي باحراق بعض الكتب، ومع اشتداد البرد تسير عملية احراق الكتب بشكل عشوائي، لكن احد الموظفين يشاهد كتب الفيلسوف الالماني -نيتشه- بيد فتاه فيخبرها أنه أعظم فيلسوف في القرن التاسع عشر فتجيبه:
- تبا له إنه كان شوفينيا حقيراً ومهووساً باخته.
فيدعها، لقناعته بأنه إذا كانت أفكار - نيتشه - بل، وحياته الشخصية أيضا محفوظة من قبل فتاة صغيرة فان حرق الكتب من اجل إنقاذ الإنسان يكون أجدى، هنالك دلالة أخرى تنتج ضمن هذا المفصل وهي أن الكتب كما انقذت الروح الإنسانية فانها كفيلة بانقاذ الجسد الإنساني بوصفه وعاء معرفياً.
المحور الأساس الذي يطرحه الفيلم هو التواصل الحضاري ضمن مقترح - عالم المناخ الدكتور هل - بالهجرة إلى العالم الثالث لا سيما مع صعود أوباما، حيث ينتهي الفيلم بانتهاء العاصفة والعودة التدريجية إلى الحياة مع تصريح لأحد المسؤولين الحكوميين بالامتنان إلى دول العالم الثالث التي أسهمت بانقاذ الشعب الامريكي من الهلاك، وهذا ما يعلمنا درساً في ضرورة التعايش الحضاري بين سكان العالم، وضرورة اختفاء التقسيم الطبقي بينهم.
الفيلم يحتاج إلى وقفة طويلة، لكن يمكن القول من ضمن هذا المختزل: هل توجد طرائق في انتاج المعرفة أسمى من طرائق الفن؟