لمن يشعر بالخجل والإحراج

منصة 2023/05/04
...

يراجعني كثيرون يشكون من شعورهم بالخجل والإحراج حين يرتكبون أخطاءً أمام آخرين، أو يتعرضون لمواقف فيها رفضٌ لهم، ينجم عنها شعورٌ بالذلّ واحتقار الذات حين يختلي بنفسه.

بدءاً نقول: ليس هناك أي شيء محرج أو مهين عندما ترفض من قبل الآخرين، ولن يستطيع أحد أنْ يهينك إلا إذا سمحت أنت له بذلك، فالشعور بالإهانة والذل يتولد من تقليل المرء لشأن ذاته. 

فعندما ترفض فإنَّ هذا معناه أنَّ الشخص الآخر لا يهتم بك لعدة أسباب، وربما يكون بعض هذه الأسباب لا يمت لك بصلة، فجميع الناس، بمن فيهم أنت، له الحق في اختيار الأشخاص المفضلين عنده، ولا داعي أنْ تفترض أنَّ اختياراتهم تعبر بأي شكلٍ من الأشكال عنك كشخص، ولهذا حاول أنْ تتقبل ذلك على الرغم من حالات الرفض غير المرغوب فيها التي يمكن أنْ تتعرض لها من قبل الآخرين.

سنوضح لجنابك العمليَّة النفسيَّة للشعور بالخجل والإحراج بمخططٍ بسيطٍ للاضطراب النفسي، يتمثل بثلاث نقاط (أ- ب- ج) حيث يشير (أ) الى التصرف غير اللائق الذي ينتقدك الآخرون أو يرفضونك، بينما يشير (ج) الى ردّ الفعل النفسي المتمثل بشعورك بالخجل والإحراج. 

والواقع أنَّ (أ) ليست هي السبب، إنما (ب) التي تعني ما تحمله أنتَ من أفكارٍ وتفسيراتك الخاصة بـ (أ) التي تقول لك إنك شخصٌ فاشل وإنَّ الآخرين لديهم الحق في نقدهم لك. 

وهذا هو الخطأ بعينه، أنك تساوي بين شخصك وتصرّف معين قمت به. 

واعلم أنَّ ذاتك ككلٍ لا يمكن تقييمها ولا يمكن مساواتها بأي تصرفٍ تقوم به سواء كان تصرفاً حسناً أو سيئاً.

إننا جميعا نقوم أحياناً بتصرفات غير لائقة، ونقع في هفوات تثير سخريَّة الآخرين ونقدهم 

لنا. 

فإنْ ساوى أحدنا بين تصرفٍ غير لائقٍ قام به أو رفض معين له وبين شخصيته ككل، انتهى به الأمر الى الشعور بالخجل والإحراج واحتقار الذات، وإنْ فصل بينهما تعايش مع مشاعر الخجل والإحراج ضمن حدود الموقف، وظل محتفظاً بقيمته واحترامه لنفسه.

تلك هي الخطوة الحاسمة لتفادي الشعور بالخجل والإحراج: افصل بين الموقف المحرج وبين قيمتك واعتبارك الشخصي، وتعامل مع السخريَّة بهدوءٍ وعقلانيَّة، فكثير منها ما يكون مسليّاً بما فيها الضحك اللطيف على 

الذات.

راجعني مهندس نفط يشكو من رجال الأمن أنهم يراقبونه  في الشارع وفي محل عمله، وأنَّ هاتفه يرن في الواحدة بعد منتصف الليل وعندما يرفعه لا يجيبه 

أحد. 

وعندما سألته منذ متى يتعقبك رجال الأمن، أجاب: منذ نحو ثلاث سنوات. 

عندها قلت له: وهل تتصور أنَّ رجال الأمن (في زمن صدام) يصبرون عليك ثلاث سنوات. وغادر غير راضٍ مني.

وفي الثمانينيات أخذت طلبتي الى مستشفى الشماعية في زيارة علميَّة فوجدنا رجلاً في الثلاثينيات من عمره كان قد قتل أمه (تصوروا) لشكه بأنها تنوي دس السم 

له.

وحكى لنا طبيب المستشفى عن معلم قتل ثلاثة من زملائه أعضاء الهيئة التدريسيَّة لاعتقاده بأنهم يحيكون مؤامرة لقتله.

وهكذا يكون شعار المصاب بالبارانويا: لأتغدى بصاحبي قبل أنْ يتعشى بي.