قروض الإسكان.. بوابة أمل لذوي الدخل المحدود

ريبورتاج 2023/05/04
...

  فجر محمد

  تصوير: خضير العتابي

لم تكن مهمة البحث عن عقار مناسب له ولأسرته بالمهمة اليسيرة، خصوصاً مع الارتفاع الهائل بأسعار العقارات، كما تؤشر الأسواق المحلية، ولكن كعادته لم يفقد مؤيد رشيد الأمل بالحصول على ما يناسبه.

وتبين المؤشرات العامة أن أسعار العقارات في العراق وتحديداً في بغداد، تشهد تزايداً مستمراً في ظل النمو الحاصل في عدد السكان، ولكي تحصل على سكن في العراق يبدو المشهد وكأنك تسابق الزمن، فعلى سبيل المثال عندما قرر مؤيد ترك منزل الأسرة والاستقلال برفقة زوجته وطفلتيه بدأ رحلة بحث مضنية عن أنسب وأفضل الحلول، ويقول مؤيد وملامح الانزعاج بادية على محياه: "لم أكن أتصور أن العثور على مسكن ملائم لنا، هو بمثابة مهمة عسيرة وشاقة، لأن الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، جعلني أنا وأمثالي نفقد الأمل بالعثور على مرادنا".

يرى مصطفى العبيدي صاحب مكتب عقار أن الأسعار تختلف من منطقة إلى أخرى، فبعض المناطق في بغداد تصل الأسعار فيها إلى أكثر من 10 آلاف دولار للمتر الواحد، في حين أن هناك مناطق أخرى لا يتعدى فيها الـ 200 ألف دينار للمتر الواحد، وبالتأكيد الأسعار تخضع لقانون العرض والطلب. 


مجمعات سكنية

قبل أن يقدم على خطوة الشراء، قام مؤيد برفقة زوجته ببحث ودراسة ولم يستثن المجمعات السكنية الموجودة على اختلاف مناشئها، ولكنها لم تكن بمستوى إمكانياته المادية فبعد أن باع جميع مدخراته واستدان من إخوته لم يتمكن من توفير المبلغ المطلوب، ما جعله يبحث عن بدائل أخرى ومنها القرض الاسكاني.

وفقاً لعميدة اقتصاديات الأعمال الدكتورة نغم حسين نعمة فإن الزيادة في المبلغ المخصص لقطاع الإسكان كبيرة ولهذا نجد أن هناك عدداً من المواطنين طالبوا بدعم أسعار مواد البناء المنتجة محلياً، لتتناسب مبالغ القروض مع كلف البناء.

في حين يوضح الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور ستار البياتي، أنه بعد عام 2003 تم حصر حاجة العراق إلى الوحدات السكنية، لوجود أزمة سكن حقيقية وتبين أن عددها يتراوح بين مليونين ونصف المليون إلى 3 ملايين وحدة، وأحد الخيارات المطروحة لحل هذه المشكلة هي دعم هذا القطاع من قبل الدولة، ولكن من قام بتنفيذ فكرة المجمعات السكنية هي الشركات المستثمرة التي تتولى عملية البناء وهي ذات طابع تجاري خاصة في بغداد، ومبالغ الشراء فيها عالية جداً فضلاً عن التسديد، إذ إن آليته غير مريحة بالمرة للمواطن الذي ينبغي عليه أن يدفع مبالغ طائلة كدفعة أولية، ومن ثم بعدها دفعات أخرى ما يحرم المواطن البسيط الذي لا يملك دخلاً كبيراً من أن يمتلك هكذا عقار، علماً أن تلك المجمعات أخذت مواقع مهمة وحيوية في البلاد.


تطبيق إلكتروني

وفي تصريح خاص من المكتب الإعلامي لصندوق الإسكان لـ (الصباح) فإن الآلية المتبعة في التقديم لقروض الإسكان، هو أن يمتلك طالب القرض 100متر بالنسبة للسند المشاع، وأي مساحة لنظيره المستقل، أما في ما يخص قيمة القروض فهي 60 مليون دينار كحد أعلى في بغداد والمحافظات والأقضية والنواحي، ولتسهيل الحصول على القروض أوجد الصندوق وفقاً للمكتب الإعلامي تطبيقاً الكترونياً على الهواتف المحمولة يساعد المواطن، على التقديم للحصول على القرض وعلى ما يبدو فقد أثبت نجاحه بحسب المكتب، إذ كانت أول تجربة له في عام 2019. مؤكداً نجاح مبادرة القروض الإسكانية للمواطنين، إذ تم إنجاز أكثر من 60 ألف وحدة سكنية.


أزمة متفاقمة

تعاني بغداد اليوم وسائر محافظات البلاد، من أزمة حقيقية في السكن، ما دفع المواطنين إلى اقتطاع أجزاء من منازلهم والاستغناء عن الحدائق، وحتى هذا الخيار الذي لجأ إليه عدد كبير، لم يكن علاجاً حقيقياً لأزمة السكن.

مساعي مؤيد لم تتوقف، من أجل الحصول على عقار مناسب ولكن مهمته ليست باليسيرة، كما يقول خصوصاً في ظل الارتفاع المستمر في أسعار العقارات، وفي ما يخص بحثه عن سكن ملائم يتابع القول: "هناك الكثير من الشوارع والمناطق السكنية التي تفتقر إلى أبسط الخدمات، ومع ذلك تجد أسعارها عالية جداً، فضلاً عن ارتباطها بارتفاع أو انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وهذا ما وجدته أثناء البحث عن دار لي ولأسرتي". وفي خضم هذا المشوار الصعب قرر مؤيد اللجوء إلى قروض الإسكان، أملاً في إيجاد حل سريع ومريح له.

وتوضح الدكتورة نغم حسين نعمة أن المهمة الأساسية لصندوق الإسكان، هي المساهمة في الحد من أزمة السكن عن طريق منح القروض، بدون فوائد ولشرائح مجتمعية مختلفة وبشروط هي ذاتها المتبعة في المصارف الحكومية والأهلية، باستثناء نسبة الفائدة وهي الميزة الوحيدة لقروض صندوق الإسكان، وتلفت نعمة إلى أن هذه القروض التي تمنحها هذه المؤسسة لا تفي بالغرض ولم يستطع مستفيدوها، أن ينجزوا وحدة سكنية واحدة، لا سيما ممن هم بمستوى خط الفقر أو ذوو الدخول المحدودة والمتوسطة، وهذا مؤشر لخلل في آلية وعمل هذه المؤسسة، إذ طالب القائمون عليها أكثر من مرة بزيادة رأسمالها لرفع سقف القروض بما يلبي الحاجة الفعلية لبناء الوحدات السكنية من قبل المقترضين، إلا أن المطالبات تلك ذهبت أدراج الرياح، وكأن وجود صندوق الإسكان بمثابة اسقاط فرض كمؤسسة تمويلية حكومية تابعة لوزارة الإعمار والإسكان. 

أعلنت وزارة الإعمار والإسكان، في وقت سابق، عن إلغاء شرط الكفيل في ما يتعلق بقروض صندوق الإسكان، واعتماد كفالة الموظف لنفسه، وبين وزير الإعمار والإسكان في تصريح سابق "لقد قررنا الاكتفاء بكفالة الموظف لنفسه في ما يتعلق بقرض صندوق الإسكان"، لافتاً إلى أن "الوزارة ماضية في تعديل القانون في ما يتعلق بغير الموظفين".


وسطاء ومعقبون

عندما توجهت للحصول على القرض الإسكاني، اعترض العديد من المقربين ومن بينهم أحد الأقارب، بحجة وجود معقبين ووسائط سيعملون على عرقلة مسار اتمام الحصول على القرض هذا ما أوضحه مؤيد، ولكنه بالرغم من ذلك مضى في مشروعه وهو ينتظر اليوم دوره في الحصول على القرض الإسكاني.

يشير الدكتور ستار البياتي إلى أنه تم تأسيس صندوق الإسكان وحددت مبالغ معينة لبناء وحدات سكنية في الأقضية والنواحي، وبالتأكيد تختلف عن تلك المخصصة للعاصمة التي بطبيعة الحال الأسعار فيها مرتفعة دائماً من حيث العقارات والإيجارات إلى مواد البناء، ولكن يشير الخبراء إلى أن الصندوق الإسكاني بذل جهداً كبيراً في توفير الآلاف من الوحدات السكنية، لكن الأزمة أكبر ولهذا فهو بحاجة إلى وقت وتمويل ليقوم بمهامه الفعلية، في توفير رؤوس الأموال لبناء الوحدات السكنية، فضلاً عن ضرورة تفعيل الجانب الرقابي من قبل المسؤولين في الصندوق، ومتابعة مراحل البناء والمبالغ المرصودة لهذا الغرض، ومنع الوسائط والمعقبين من التدخل بهذا الموضوع.

 

رؤى جديدة

تعتقد الدكتورة نغم حسين نعمة أن صندوق الإسكان، لم يسهم سوى بنسبة 1 بالمئة أو أقل من ذلك في التصدي لأزمة السكن المتفاقمة، وهذه النسبة المتدنية لا تنسجم مع هذه المشكلة، إذ لا بد من وجود مؤسسات حكومية قادرة على المساهمة الفاعلة، في حل الأزمة أو خفضها بشكل تدريجي، ما يستدعي من الجهات ذات العلاقة، لا سيما القطاعية إعادة النظر بمسارات عمل هذه المؤسسة التمويلية لقطاع الإسكان. ومن هنا نرى أن يكون الحل وفق مسارين أما الاتجاه إلى إلغائها، أو العمل على زيادة رأسمالها سعياً لرفع سقف القروض الإسكانية، أو جعلها مؤسسة تمويلية واستثمارية في آن واحد، عن طريق فتح باب الاستثمار الإسكاني وبناء المجمعات السكنية وبمستويات عدة، واستثمارها على المدى المتوسط والبعيد سعياً للتحول من مؤسسة تمويلية فقط إلى استثمارية ربحية قادرة على ديمومة العمل ضمن إطارات ومسارات تحددها متطلبات كل مرحلة بعينها، وقد تعتري هذا العمل معوقات قانونية وأخرى فنية، إذ يتطلب الأمر عندها العمل على تشريع قانون جديد خاص بمؤسسة صندوق الإسكان التمويلية والاستثمارية على وفق الرؤى التي طرحت، وهي بطبيعة الحال قابلة للنقاش والتعضيد والإثراء عن طريق الدراسة المعمقة لجدوى صندوق الإسكان كمؤسسة معنوية موجودة حالياً ومدى مساهمتها في تخفيف أزمة السكن، والعمل على الاتيان برؤى جديدة تجعل من هذه المؤسسة ذات جدوى في قطاع الإسكان، الذي يعد من القطاعات الجاذبة للاستثمار والقادرة على خلق علاقة جدلية بين القطاعات الاقتصادية كافة، بدءاً من فرص العمل التي توفرها مشاريع الإسكان وما يخلقه ذلك من ديناميكية للاقتصاد الوطني. ولهذا تقتضي الضرورة إعادة النظر بمسارات صندوق الإسكان الحالي وفقاً لرؤى جديدة، تنسجم ومتطلبات المرحلة الحالية وبشكل يسهم مساهمة فعالة لا هامشية في أزمة السكن.


تجارب حديثة

تشير الإحصائيات والدراسات إلى وجود أزمة فعلية في السكن، ولهذا طرح الخبراء والمختصون عدداً من الحلول، من بينها وحدات سكنية منخفضة الكلفة وبعيدة عن المناطق المكتظة لتقليل الزخم الحاصل في العاصمة أسوة بالتجربة المصرية، إذ بنيت مجمعات متوسطة الكلفة وفي مناطق مختلفة، ما أسهم بشكل أو آخر بمعالجة أزمة السكن.