صراع يساري ليبرالي في البيرو

بانوراما 2023/05/06
...

  ألفارو فارغاس يوسا

  ترجمة: بهاء سلمان

بعد زيارة قمت بها مؤخرا إلى البيرو، أصبحت مقتنعا أكثر من أي وقت مضى بأن موطني الأصلي، وهو بلد مهم يطل على المحيط الهادئ يبلغ عدد سكانه 34 مليون نسمة، أصبح الهدف الأول لليسار المتطرّف في أميركا اللاتينية.

كان سقوط الرئيس الماركسي في بيرو، «بيدرو كاستيلو»، في كانون الأول، بعد محاولته الفاشلة لحل الكونغرس واستبدال السلطة القضائية فيما يسمى بالانقلاب الذاتي، بمثابة ضربة للحكومات غير الليبرالية في جميع أنحاء المنطقة. 

ومنذ ذلك الحين، كانت تلك الحكومات تطعن بكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، المجموعة اليسارية المفتوحة، وصولا إلى المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا، وبدرجة أقل، تشيلي، وهي البلدان ذات اليسار الوسطي بحكومات منتخبة، ساعية جميعها لتقويض فرصة السيدة دينا بولوارت؛ خليفة الرئيس السابق كاستيلو.

بولوارت، نائب الرئيس السابق، خلفت كاستيلو بعد مساءلته عن انتهاكه الدستور ومحاولة إقامة حكم ديكتاتوري. كان التدخّل الأجنبي في الشؤون إلبيروفية مباشرا. فقد ذهب الرئيس المكسيكي «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور» إلى حد رفض تسليم السيدة بولوارت رئاسة تحالف المحيط الهادئ، الذي يتم التناوب عليه بين الدول الأعضاء، وهي الخطوة التي مثلت المحاولة الأكثر جدوى في المنطقة لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي، حيث قدّم التحالف سابقا مخططا لأميركا اللاتينية حرة ومزدهرة من خلال دعمها القوي للديمقراطية الليبرالية، والتجارة الحرة، والتعاون الاقتصادي العالمي، والمشاركة الواسعة مع العالم المتقدم.

الآن، من بين المؤسسين الأصليين، المكسيك وبيرو وتشيلي وكولومبيا، تبدو إلبيرو فقط هي الداعم لأهداف الحلف الأساسية، بينما تدار الدول الثلاث الأخرى بدرجات متفاوتة من قبل الحكومات اليسارية الشعبوية، التي تعد أفكارها السياسية بعيدة كل البعد عن الأهداف التي تم انشاء التحالف من أجلها. ومن خلال حرمان بولوارت من رئاسة التحالف، قام الرئيس المكسيكي بتبديد أي أمل في إعادة التحالف الاقليمي إلى المسار الصحيح.

تدخّل غربي صارخ

الشؤون الداخلية للبيرو صعبة بالقدر نفسه، فأثناء حكم كاستيلو، فرض اليساريون السيطرة الإدارية على العديد من المفاصل الحكومية المهمة، وأحيانا بمساعدة من الرئيس. وشحذت العناصر الماركسية قدرتها على تعطيل الاقتصاد، الذي نددوا به بوصفه أداة للرأسمالية الإمبريالية، حيث شمل ذلك أعمال التعدين، مع كون إلبيرو واحدة من أكبر منتجي النحاس والفضة والزنك والرصاص والقصدير والذهب في العالم، علاوة على غيرها من الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمار الأجنبي. والغريب تماما أن هذا النفور من رأس المال الامبريالي ينطبق فقط على رأس المال الغربي، فرأس المال الشيوعي والامبريالي القادم من الصين كان موضع ترحيب.

أوقف سقوط كاستيلو هذه العملية وقلل من تأثير الجماعات الماركسية المحلية والحكومات الأجنبية، وهو ما يفسر هجمات لوبيز أوبرادور الشخصية السخيفة على «ليزا كينا»، سفيرة الولايات المتحدة في ليما، والتي تحظى باحترام كبير داخل البلاد.

قدمت الولايات المتحدة دعمها لبولوارت كخليفة دستوري لكاستيلو، كما فعلت الديمقراطيات الليبرالية الأخرى والاتحاد الأوروبي، وبدا واضحا فشل اليساريين الراديكاليين في جلب البيرو إلى جانبهم بسبب حكومات أجنبية في المقام الأول.

وكان رفض الجيش والشرطة والكونغرس إلبيروفي والرئيسة بولوارت والمجتمع المدني بشكل واسع دعم محاولة كاستيلو غير القانونية للانفراد بالسلطة، قد عمل على منع مسعى الرئيس السابق تحويل إلبيرو إلى ماركسية أخرى. وكان الدعم الذي قدمه المجتمع الغربي لحكومة بولوارت قد ساعد في الحفاظ على رئاستها، لكن الاحتجاجات والعنف وعشرات القتلى في الاشتباكات مع قوات الأمن لا تزال تطاردها.

ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في إلبيرو بحلول العام 2026، لكن بولوارت وآخرين طلبوا من الكونغرس تحريك الانتخابات لمنح النظام الديمقراطي دفعة جديدة. وحتى الآن، يعمد الكونغرس إلبيروفي للتهرّب من الطلب، لذلك من المحتمل أن تستمر السيدة بولوارت في موقع الرئاسة إلى نهاية مدة رئيسها السابق.

ربما يكون هذا الحال يمثل نتيجة أفضل مما كان يعتقد سابقا، حيث تحاول بولوارت ورئيس وزرائها، «ألبرتو أوتارولا»، تهدئة البلاد وإعادة قدر من الاستقرار واستباب الأوضاع الطبيعية. إن سقوط الرئيسة الحالية وسط الفوضى الحالية، مع عدم وضوح ماهية الأحزاب السياسية التي ستكون مؤهلة قانونا للمشاركة في الانتخابات المقبلة، من شأنه أن يوفر للقوى المناهضة لليبرالية فرصة ذهبية لمحاولة تحقيق استيلاء أيديولوجي على إلبيرو، علاوة على وجود خطر إضافي يكمن في أن هذا الوضع، بالمقابل، سيؤدي إلى رد فعل غير ديمقراطي من قبل قوى اليمين. 


مجلة نيوزويك الأميركية