باسم عبد الحميد حمودي
منذ أقل من شهرين رحل عن الدنيا أبرز رجال السرد الستيني وأحد منظري هذا الجيل الذي رافق هزيمة حزيران وكان نتاجا لها.. وسواها من خيبات الثورة والثوار!
وقبل أن نسأل عن (الثورة) و (الثوار) نقول إنَّ هذا الجيل الغائب (تقريبا) بفعل حضور الأجيال الشابة الجديدة وايقاعات نتاجاتها المشحونة بطاقات إضافية.. تعايشت مع الجديد في عالم اليوم وتصالحت مع مردوداتها الشعريّة والسرديّة والنقديّة.. وذلك موضوع آخر لا يقل أهمية عن تساؤلات الستينات وحضورها.
قبل الدخول في تفاصيل الستينات نقول إنّ الكثير من (أهلها) ما زال يعطي ويسود المقالات والدواوين وكتب السرد.
هناك ياسين طه حافظ وعبد الخالق الركابي وجمعة اللامي ومحمد خضير وعلي جعفر العلاق في العراق كنماذج مشرقة، وهناك واسيني الأعرج في المغارب، وعبد الكريم الناعم في سوريا وعلي عبد الله خليفة في البحرين وعبده خال في السعودية وغيرهم هنا وهناك.
وفي النقد نجد سعيد يقطين وعبد الله الغذامي ومعجب الزهراني وحاتم محمد الصكر، وعدد وفير من الدارسين.
صحيح أن السنوات قد أخذت منهم كل مأخذ.
واغلقت مجلة الكلمة ببغداد – النحف، وغاليري 78 في مصر والخميلة في البحرين، ومعظم المجلات الطليعيّة، لكن تأثيرات هذه الاصدارات ظل كتيار مهم حرّك بموجبه الاصدارات الحكوميّة التي تولى الستينيون قيادتها في العالم العربي مثل (الأقلام) العراقيّة و(أخبار الأدب) القاهريّة، و(الموقف الأدبي) السورية وعشرات غيرها مثل الرسالة الجديدة والحياة الثقافيّة، فضلا عن وجود مجلات مثل الآداب وسواها.
صحيح أنّ زكريا تامر وشوقي بغدادي، وجمال الغيطاني وسعيد الكفراوي وموسى كريدي ومحمود جنداري وقبلهم عبد الستار ناصر قد رحلوا لكن كتبهم وتأثيراتهم ما زالت واضحة.
جيل الستينات هو جيل توابع النكبة ومقاومة الدكتاتوريات المحلية بالكتابة المواربة والاحتيال على الجلّاد بالعمل الإبداعي الجاد.
جيل الستينات هو جيل ثورة الطلبة في اوروبا وجيل راموث رايس وبندكيت وكولن ولسن وريجس دوبريه وسائر المنظرين للافكار التجديديّة.
هو جيل الصياغات الدراميّة الأمهر– شعرا ونثر ونقدا، وجيل البناء المعرفي المجدد بكل مساراته.
وإذا كان للفضاء النقدي العربي قد حصل بفضل تجارب الستينات النقديّة على فرصة لدراسة الأدب المكتوب المدوّن بلغة جديدة أخترقت المألوف الشعري السردي ونادت بالشعريّة وجوانيّة النص، فإنَّ هذا الفضاء قد أمتلأ بتجارب جديدة في دراسة القناع الشعري ومفاهيم المستقبليّة والشعريّة ونيابة النص غيرها مما وفر مفاتيح ثرة لدراسات نقديّة تشريحيّة جديدة.
بقيت أسماء قليلة من ممثلي الستينات على قيد الحياة وقد وخطهم الشيب من دون شك لكن تأثيرهم ما زال قائما على الأجيال اللاحقة.. رغم أن تجربة قتل الأب لتبرز رؤوس آباء جدد ما زالت سارية... والسبعينيون يتقدمون المشهد اليوم رغم تشظي ثورات العسكر ودخول لاعبين خارجيين غير مألوفين على المشهد الفكري.. هنا وهناك.
لا تكفي مقالة واحدة لكشف حساب الستينات وهذه المقالة مجر تنبيهات سريعة لحركة ذلك الجيل الذي كان مفعما بالآمال.. من دون أن تتحقق كاملة، لكنّها فتحت الدرب عريضا لبناء تجارب إبداعيّة
جديدة.