ميكيل اكاري

 ترجمة: ليندا أدور

مثلها مثل "الديناصور"، القصة القصيرة للمؤلف الغواتيمالي، أوغستو مونتيروسو*، فعندما يستيقظ سكان نيويورك، تكون السقالات لا تزال في محلها. يبدو من الصعب تحديد كيف ومتى بدأ هذا الكابوس، أي بداية نصب كل هذه الهياكل المعدنية والخشبية لأول مرة، بسبب مشاريع البناء لغرض حماية المارة من الحوادث، كالذي وقع عام 1979 عندما انهار بناء ليصيب طالبة جامعية بجروح بالغة.
انتشرت السقالات، عشوائيا، خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، لتجتاح المدينة أثناء أزمة العقارات التي حدثت العام 2008، ثم أتت جائحة كورونا لتجعلها جزءا لا يتجزأ من مناظر المدينة الطبيعية.  تصف بينيلوبي غرين، خبيرة الموضة والتصميم لدى صحيفة نيويورك تايمز، السقالات التي تغطي المدينة بأنها "هيكل خارجي منبوذ ومتداع"، مضيفة "تعمل على إخفاء أكثر واجهات المدينة شهرة وإبداعا، لكنها تحمي مواطنيها من الحطام المتساقط والرياح 

والمطر".

غابة أسفلت

منذ سنوات، تعيش فران هنلي (39 عاما)، تعمل موظفة لدى إدارة حي كلينتون بمانهاتن، في أو حول مبان تلفُها السقالات، اذ تقول: "في هذه اللحظة، يمكنني رؤية ثلاثة منها من نافذتي، مع إثنتين اخريين إلى يساري في الطريق إلى محطة مترو الأنفاق". تشير هنلي إلى سقوط إحدى السقالات بشارع بروم العام 2018، جراء هبوب رياح قوية، تسببت بتدمير موقف خاص للسيارات دون وقوع قتلى أو إصابات، لكن سرعان ما تم استبدال السقالة، وهي لا تزال موجودة حتى اليوم بعد مرور خمس سنوات. "نعيش محاطين بهياكل مؤقتة تصبح دائمية، تسهم بتشويه منظر المدينة وتحجب الضوء الطبيعي عن الأشخاص الذين يسكنون أو يعملون فيها" والحديث 

لهنلي.

مستندا إلى بيانات قسم المباني في المدينة، يقول راسل بوول، المحرر لدى مجلة "ستي سيغنال": "لم تعد مدينة نيويورك غابة أسفلت منذ أكثر من عشر سنوات، بل أصبحت غابة سقالات"، مشيرا إلى وجود (9046) هيكل سقالة تتوزع بعموم أنحاء  أحياء المدينة الخمسة، ما يقرب من أربعة آلاف منها، في مانهاتن، الحي الأكثر شهرة والأكثر اكتظاظا بالسكان والمعروف بغنى تراثه المعماري، حيث ناطحات السحاب المشيدة على طراز آرت ديكو والقصور الفيكتورية والمنازل المشيدة على الطراز الثيودوري.

إعلان حرب

يشير، أندرو سيف، مراسل شبكة ان بي سي الأميركية، إلى أن عمدة المدينة الجديد، إريك أدامز، قائد الشرطة السابق، لديه خطة للتخلص من جميع سقائف ممرات المشاة، بقوله: "حان الوقت لنثبت أن السقالات لا تهيمن على المدينة". إلى ذلك، يشير مارك ليفين، رئيس حي مانهاتن، أن الخطة تتضمن أركان أربعة؛ الإشراف البلدي النشط على جميع واجهات السقالات، والتركيز على تلك التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات، ومنح قروض بفائدة منخفضة لأصحاب العقارات الذين لديهم أعمال ترميم وتجديد، ومنح تصاريح عمل سريعة وأكثر مرونة، إلى جانب فرض غرامات مالية ثقيلة لمن لا يمتثل". يشار إلى أن الخطة، التي ستنفذ باستخدام طائرات بدون طيار وأجهزة مراقبة تكنولوجية، بمثابة إعلان حرب على مشكلة تسببت بتشويه ملامح المدينة. 

تقول آنا رحمان، مراسلة مجلة تايم أوت، بأن سقالات نيويورك تمتد لمسافة تقارب 600 كيلومتر، ففي نهاية العام 2021، كان هناك 8900 مبنى تغطيه السقالات، وصل العدد إلى نحو عشرة آلاف بحلول منتصف العام 2022، وإن معدل بقاء سقائف الأرصفة في محلها يتجاوز 498 يوما، 260 منها، تم انشاؤها منذ أكثر من خمس سنوات، وإن البعض منها لا يزال في موقعه منذ عشر سنوات أو 

أكثر.

أكبر لوحة قماشية فارغة

 تغطي السقالات والقماش المشمع، إحدى المدارس، المشيدة منذ أكثر من 80 عاما وتعد معلما معماريا بارزا، منذ العام 2014 لحماية التلاميذ والموظفين من الحطام المتساقط، ولا تزال السقالات في مكانها حتى اليوم. عنها يقول أحد سكان الحي: "استغرق الأمر سنة و45 يوما فقط لتشييد مبنى "إمباير ستيت"، لذا من غير المعقول أن تستغرق عمليات ترميم سطح وواجهة مدرسة أكثر من سبع سنوات". 

يفسر سيف الأمر على أنه لم يتم تجديد المبنى بالفعل، فمنذ أواخر التسعينات، وبعد أزمة العقارات عام 2008، لجأ الكثير من مالكي العقارات إلى تدعيم المباني بإصلاحات مؤقتة لأنها أرخص ثمنا، لكن سرعان ما صار الحل القصير الأمد أمر شبه 

دائم.

يقول فيكتور الافيردا، يعمل مراسل لمجلة تصدر عن جمعية المهندسين المعماريين الإسبانية، بأنها: "لا تحجب الضوء وواجهات المتاجر فحسب، لكنها تجعل الأمر صعبا على المشاة أن يعرفوا أين هم، فهي بمثابة حرب مستمرة للأشخاص الذين يقيمون جودة الحياة".  

المثير للاهتمام، هو أن العديد من سكان نيويورك تعلموا كيفية التعايش مع سقالاتها، تقول غرين بأنها:"أصبحت أكبر لوحة قماشية فارغة في المدينة ". في العام 2021، قام مهندسون معماريون يعملون على ترميم مبنيين تأريخيين في حي دومبو بمانهاتن بزراعة كروم ونباتات في كل أنحاء السقالات وحولوها إلى حديقة حضرية وارفة، وفي العام 2015، صممت المعمارية زهاء حديد سياجا كان رائدا في تطوره حول موقع بناء بمتنزه هاي لاين High Line، وهو متنزه خطي يبلغ طوله أكثر من الفي كيلومتر، تناغم مع المدينة على نحو إبداعي.  

*الديناصور: من أشهر مؤلفات مونتيروسو وتعد من أقصر القصص القصيرة اذ تتألف من سبع كلمات فقط هي "عندما استيقظت وجدت الديناصور ما زال هنا".

*صحيفة إلبايس الإسبانية