المكتشف الحي

ثقافة شعبية 2023/05/18
...

كاظم غيلان 



عام بأيامه كلها يوشك أن يقفل على الرحيل الجسدي لمظفر النواب، الشاعر، الفنان، المناضل الذي شغل الأجيال بانشاده الجمالي وصراخه الغاضب بوجه الأنظمة القامعة .

(راحل لم يرحل) هكذا ردد شبان العراق ساعة تشييعه من باحة مبنى اتحاد الأدباء.

كم كان دقيقاً هذا الكلام؟ لقد رحلت الحكومات التي أصرت على نفيه ودخول أراضي البلدان التي تحكمها بالنار والحديد، رحلت وهي تمسك بمنشديها ومهرجيها إلى مزبلة التاريخ، بينما ارتفع مظفر إلى حيث أعالي الضوء - المجد .

رحلت طوابير من الرداحين والرداحات الذين اعتاشوا على فضلات (الحاكمين البغايا) بينما صدحت حناجر شبان الانتفاضة :

(صويحب من يموت المنجل يداعي).

لقد أحيا مظفر روحاً في لهجتنا لولاه لبقيت ميتة ليومنا هذا، هكذا فعل في شعر العامية العراقية منذ خلق قصيدته الجديدة ليؤسس مساراً إبداعياً - جمالياً، لا علاقة له بمشهد راهن هذا الشعر وما يبث من رثاثته عبر العديد من الفضائيات التي تجهل أسرار مكونات الجمال وما تشهده المهرجانات من صراخ هستيري ورثته أجيال مشوهة من موجة شعراء الحروب الذين نهلوا من ثدي ثقافة العنف وتدمير ذائقة 

الناس .

منذ (للريل وحمد) ونحن ننشغل بشعر لم نألفه من 

قبل .

ومنذ رحيل شاعرها ونحن ننشغل مرة أخرى بما أنجز للإنسانية من صياغات مدهشة، صادمة .

الشاعر يحيا والحكومات ترحل مضطربة مهزومة .

الشاعر تحمله رؤوس أبناء شعبه المقهورين، العشاق، الغاضبين .

لكن من يحمل الحكومات سوى اللعنات والشتائم الخارجة من أفواه المقموعين والمحرومين من أبسط حقوق الإنسان. 

دعنا نحبك أكثر يامظفر فقد تفجرت ينابيع أخرى 

تتدفق حباً وانشاداً للحرية والإنسان بعد رحيلك 

الجسدي .

لا نقول وداعاً وأنت القائم بيننا.