الإسعاف الفوري.. مَنْ الظالم ومَنْ المظلوم؟

ريبورتاج 2023/05/21
...

  بدور العامري   

  تصوير: خضير العتابي

بدت أم مرتضى متذمرة وألقت مسؤولية تدهور الوضع الصحي لولدها الشاب مرتضى على سيارة الإسعاف التي تأخرت في الوصول إليه، ما اضطر الأشخاص المتواجدين في محل الحادث إلى نقله بواسطة (تاكسي) إلى المستشفى، ما تسبب له بتلوث حروق جسده وتعرضه لمضاعفات حادة، بينما خالفتها الرأي الشابة دنيا ذات الـ (34 عاماً) التي عبرت عن  امتنانها وشكرها للمسعفين الذين استجابوا لندائها فور اتصالها على الرقم (122) وإنقاذ حياة والدتها التي تعرضت لجلطة دماغية.

وضع استثنائي

لا يخفى على أحد ما يمر به العراق من ظروف استثنائية نتيجة عدم الاستقرار الأمني والسياسي خاصة مابعد عام 2003، الأمر الذي يتطلب مضاعفة الجهود المبذولة من مؤسسات الدولة ومنها الخدمات الصحية بما فيها الإسعاف الفوري، وبحسب الدكتور زيد سعد عبد الستار مدير قسم الإسعاف الفوري في مديرية العمليات والخدمات الطبية الطارئة في وزارة الصحة فإن "للإسعاف الفوري مهمات إضافية بحكم الظروف غير الطبيعية للبلاد، مثل استهداف المواطنين من قبل عصابات داعش وغيرها ممن يريد الدمار لهذا البلد، لذلك وجدت الحاجة إلى (المرابطات) وهي مفرزة للإسعاف تتواجد في أماكن تجمهر الأفراد تعمل بالتنسيق مع الجهات الأمنية"، وأوضح الدكتور زيد "تتواجد هذه المرابطات بالقرب من وجود التظاهرات والاحتجاجات الشعبية أو الفئوية، إضافة إلى دور الإسعاف الفوري في المناسبات السياسية والوطنية وخلال المناسبات الدينية مثل الزيارة الشعبانية وذكرى وفاة الأئمة الأطهار، ونوه عبد الستار "يستمر عمل الملاكات الصحية في المرابطات لفترات طويلة تمتد إلى (6-12) ساعة في اليوم، خاصة في الأماكن الترفيهية التي تشهد تجمعات كبيرة للمواطنين، فضلاً عن توفير خدمة الإسعاف وجاهزيتها بالقرب من المساجد والجوامع خلال صلاة الجمعة". 


شكاوى وعقوبات

أما الشاب رسول يحيى ذو الـ29عاماً فقد واجهته مشكلة أخرى مع الإسعاف الفوري وهي عدم الرد على الاتصال بعد المحاولة لأكثر من مرة عندما تعرض والده إلى وعكة صحية قبل أيام، إذ يقول: قمت بالاتصال على هاتف الإسعاف إلا أنني صدمت بعدم الرد وبعد عدة محاولات ظهر الخط مشغولاً.

وبحسب الشاب رسول أنه سمع من أشخاص آخرين تعرضهم لمثل موقفه خاصة ممن يسكنون في مناطق أطراف بغداد والتي تكون بعيدة نسبياً عن المؤسسات الصحية الكبيرة مثل الحسينية والراشدية وغيرها.

من جانبه أكد مدير الإسعاف الفوري أهمية دور المواطن في تشخيص الأخطاء كونه المستفيد الأول من الخدمات العامة، داعياً الأشخاص الذين يواجهون أي مشكلة إلى الإسراع لتقديم شكوى وعلى رقم الطوارئ نفسه، إذ سيتم اتخاذ إجراءات قانونية وعقابية بحق من يثبت تقصيره في أداء الواجب.

تغطية الخدمة

عباس حسن الجوراني مدير قاطع الرصافة الجنوبي للاسعاف الفوري تحدث عن خارطة قواطع الإسعاف الفوري الأربعة في بغداد، إذ يشمل كل جانب قاطعين اثنين، حيث يمتد قاطع الرصافة من الحسينية إلى ناحية الوحدة، بينما يمتد قاطع الكرخ من الطارمية والتاجي إلى قضاء المحمودية، وبين الجوراني أن "خدمة الإسعاف الفوري في هذه القواطع تقدم عن طريق تواجدها في مركز صحي متواجد في الرقعة الجغرافية او عن طريق مركز اسعاف فوري مستقل، وهي تغطي جميع مناطق العاصمة تقريباً، خمسة عشر جهازاً مهيأة لاستقبال اتصالات المواطنين ومن هم بحاجة لخدمة الإسعاف الفوري، خمسة منها خط آسياسيل وخمسة أخرى هي خطوط لشركة زين، أما الخمسة المتبقية فهي على شركة كورك.

ويعتقد الجوراني أن هذا العدد من الخطوط كافٍ في حال تم استخدامها بالشكل الصحيح، مع الطموح إلى زيادة قنوات التواصل وعدد الخطوط الساخنة مع المواطن في المستقبل لغرض قديم أفضل الخدمات.     

   

معوقات

عدم وجود ممرات طوارئ خاصة بسيارات الإسعاف مع تهالك البنى التحتية في شوارع العاصمة بغداد، إضافة إلى مشكلة الازدحام المروري، كل ذلك انعكس على نوعية تلك الخدمات ليصفها البعض بأنها حتى وإن وجدت فهي ليست بالمستوى المطلوب، إذ يقول الجوراني هناك مشكلات تتعلق بجهات ومؤسسات أخرى مثل أمانة بغداد والطرق والجسور، إلا أن الملاكات المسعفة تعمل دائماً في التغلب على معظم  تلك المعوقات والتعامل معها بواقع الحال عن طريق إيجاد الحلول المناسبة، كما هو حال الازدحام في بعض الشوارع والتقاطعات، وأوضح الجوراني أن الملاكات المسعفة استطاعت الوصول إلى أبعد نقطة من مناطق بغداد وبأقل وقت ممكن، عن طريق التنسيق مع الجهات المرورية والتواصل معهم باستمرار عن طريق الأجهزة اللاسلكية لتهيئة الطرق وفتح المغلقة منها بأسرع وقت، كذلك الحال بالنسبة للأجهزة الأمنية خاصة جهاز الشرطة.


جوانب مالية

قلة التخصيصات المالية ومشكلات تأخير إقرار الموازنات العامة تسبب مشكلات كثيرة منها عدم تجهيز القسم بالآليات الحديثة وكذلك تفاقم مشكلة رواتب سائقي الإسعاف الذين كانت لهم مطالب بتخصيص مبالغ الخطورة لهم أسوة بزملائهم المسعفين، إذ يتحدث سالم هاشم سائق سيارة اسعاف ويقول "من الظلم ألا يشمل السائق بمخصصات خطورة المهنة على الرغم من تعرض هذه الشريحة إلى الاعتداءات في الشارع وتحمل المسؤولية مع زميله المسعف في مختلف الظروف البيئية"، وفي هذا الخصوص بين مدير قسم الإسعاف الفوري أنه تم حل هذه المسألة وتعهدت الجهات المعنية في مجلس الوزراء بتضمين فقرة زيادة رواتب سائقي الإسعاف ضمن موازنة العام الحالي في حال إقرارها. 


سيارات حديثة

يكمن جوهر عمل الإسعاف الفوري في وسيلة النقل المجهزة بالأجهزة الضرورية لانعاش المريض لحين وصوله إلى المستشفى واستكمال العلاج إضافة إلى الشخص المسعف، بالاعتماد على عنصر السرعة، لذلك يقول الدكتور زيد "في عملنا تعطى الأهمية القصوى لتوفير سيارات الإسعاف، في هذا المجال أثنى عبد الستار على مبادرة أمانة بغداد التي عملت على حل جزء كبير من تلك المشكلة والمتمثلة بشراء 140عجلة اسعاف لرفد منظومة الإسعاف الفوري بسيارات حديثة الصنع سيتم استلامها خلال الأيام القليلة المقبلة، علماً أن قسم الإسعاف الفوري يمتلك عدداً من الآليات تجاوزت مدة عمل بعضها 17عاماً وهي بطبيعة الحال قد تعرضت لعدد من الأعطال والتقادم.

تدريب وتأهيل الملاكات البشرية واولها المسعف هي من الأمور الأساسية في مجال الإسعاف الفوري، إذ تعتبر الممارسة هي أصعب جزء من التعلم، كما أن التدريب هو جوهر التحول إلى الأفضل، مدير الإسعاف الفوري أكد حرص مديرية العمليات والخدمات الطبية الطارئة التي يتبع لها قسم الإسعاف الفوري على الاهتمام المستمر بجانب التدريب وتطوير المهارات ومواكبة كل ما هو جديد ومن شأنه النهوض بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين مثال ذلك إقامة الدورات التطويرية والورش التدريبية لجميع ملاكات القسم بصورة مستمرة.


التثقيف

نقص الوعي الصحي وتراجع ثقافة الإسعافات الأولية والفورية لدى الأفراد أوجدا فجوة كبيرة بالتعامل مع ملاكات الإسعاف الفوري أثناء أداء عملها، إذ تسبب هذا الجهل خاصة لدى المواطن البسيط باطلاق الأحكام غير الصحيحة تجاه العاملين في مجال الإسعاف الفوري، مثل توجيه النقد لسائق سيارة الإسعاف عندما يسير بسرعة كبيرة دون وجود الشخص المريض داخل السيارة، واتهامه بالتسبب بارباك السير دون عذر مشروع، إذ يوضح الجوراني بأن عمل الإسعاف الفوري هو سباق مع الزمن لذلك تعتبر السرعة عاملاً أساسياً في مهمة المسعف والوصول إلى المريض، وتابع الجوراني حديثه عن بعض الممارسات التي تؤثر سلباً في تقديم خدمة الإسعاف الفوري للمواطنين كوجود عدد كبير من الاتصالات الكاذبة، الأمر الذي ينتج عنه استنزاف جهود العاملين في المجال الصحي من جهة والتجاوز على حقوق المواطنين الذين هم بحاجة إلى تلك الخدمة فعلياً من جهة أخرى.