إنقاذ خليج جوكوفا من الصيد الجائر

بانوراما 2023/05/21
...

 نيل لويس 

 ترجمة: فجرمحمد

يشتهر "ساحل الفيروز" بألوانه الزرقاء الكريستالية وشواطئه الممتدة وخلجانه البكر، وهو أحد عجائب تركيا الطبيعية. يمتد الساحل الجنوبي الغربي للبلاد على امتداد أكثر من 600 ميل على طول البحر الأبيض المتوسط، ولطالما جذب السياح بجماله من جميع أنحاء العالم.

في العقود الأخيرة، أصبحت المنطقة شديدة النضوب بسبب الصيد الجائر وغير القانوني وتنمية السياحة وتغير المناخ. وتعرضت للتدمير معظم الموائل الحرجة للسلاحف ضخمة الرأس و"فقمة الراهب" المهددة بالانقراض، ما أدى إلى تهديد مناطق تكاثر أسماك القرش الرملي، وتراجع مجموعات الأسماك المحلية.

تبذل جهود لإحياء المنطقة، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى "ظافر كازيلكايا"؛ رئيس ومؤسس (جمعية الحفاظ على البحر الأبيض المتوسط). فقد ضغط على الحكومة التركية بنجاح لبناء شبكة من المناطق البحرية المحمية تمتد لأكثر من 300 ميل على طول ساحل البحر. وبفضل جهوده، مُنح كازيلكايا جائزة غولدمان البيئية المرموقة لعمله في حماية المحيط. وتُمنح الجائزة السنوية لستة اشخاص بيئيين فاعلين في مجالهم، ويعمل كل منهم في قارة مختلفة.


مهمة الإنقاذ 

بدأت مهمة كازيلكايا سنة 2007، بعد رحلة استكشافية للغوص في خليج جوكوفا، البالغ طوله 62 ميلا وسط ساحل الفيروز. وقد عاد الناشط إلى وطنه تركيا بعد عدة سنوات من العمل كباحث بحري ومصور تحت الماء في إندونيسيا، وقد صدمه التدهور البحري في بلاده. فكان من المفترض أن يكون هذا المكان أحد أكثر الأجزاء تنوعا بيولوجيا في الساحل التركي، لكنه كان قاحلا، بحسب وصفه لوكالة سي أن أن، مضيفا: "كان الأمر أشبه بحرب نووية حدثت تحت الماء، اذ لم تكن هناك حياة، وبدت 

الصخور عارية، ولم تكن هناك طحالب 

كبيرة".  وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، يعد البحر الأبيض المتوسط أكثر البحار التي تتعرض للصيد الجائر عالميا، حيث يعج بأساطيل الصيد ذات النطاق الصناعي مثل الشباك الشراعية وسفن الجر. وأدى القضاء على الحياة البحرية إلى الإضرار بسبل عيش الصيادين المحليين، إذ كانت مجتمعات الصيد الصغيرة في حالة ذعر، بحسب كازيلكايا. وإدراكا لحجم المشكلة، قرر أن هذه هي اللحظة المناسبة للعمل، وشرع في إقناع الصيادين المحليين بأن مناطق حظر الصيد والمناطق المحمية يمكن أن تساعد في قلب هذه التوجهات.

ويعترف كازيلكايا أن وقوف الصيادين الى صفه كان التحدي الأكبر، ولكن بسبب الوضع البائس للخليج بدأ البعض بالتعاون. وبحلول العام 2012، أنشأ كايزيلكايا أول منطقة محمية بحرية تركية يديرها المجتمع المحلي في خليج جوكوفا. يوضح كازيلكايا أنه لكي تعمل المنطقة المحمية، يجب تطبيق مناطق حظر الصيد بشكل فعال. فقام بتدريب الصيــادين المحلييـــن كحراس بحريين يمكنهم مراقبة المياه للصيد غير القانوني وإرسال تنبيهات إلــى خفــر الســواحل التركي. ولعدم وجود صلاحية  لدى الصيادين باحتجاز المخالفين، تم تجهيز السكان المحليين بكاميرات يمكن أن توفر أدلة مقبولة في قضايا المحاكم.


سمكة الأسد

مع ارتفاع درجة حرارة البحر المتوسط بسبب تغيــر المنــاخ، تصـــل الأسمــاك الاستــوائية الغازية مثل "سمكة الأسد"الى خليج جوكوفا قادمة من قناة السويس. وتشكل هذه الاسماك تهديدا للنظام البيئي، حيث تفترس الأنواع المحلية، وتفرط في استهلاك مناطق النباتات المائية فتتلف غطاءها الى جانب قلة الأحياء المفترسة لتلك الاسماك الغازية. 

ولعلاج المشكلة اتخذ كيزيليكايا نهجا جديدا، حيث تم الوصول إلى بعض الطهاة المشهورين في تركيا ووضع لهم التحدي المتمثل في ابتكار وصفات لذيذة باستخدام الأسماك الغازية كمكون رئيسي. وقد روج هذا الناشط البيئي لوصفات متعددة، وشجع المطاعم التركية على تقديم أطباق 

مثل "سمك الأسد برقائق البطاطا".

يقول كازيلكايا: "لقد أصبحنا بائعي سمك"، مضيفًا أنهم متواصلون ببيع تلك الأسماك التي يصطادها الصيادون المحليون إلى المطاعم. وبفضل عمل كازيلكايا، حقق النظام البيئي البحري لخليج جوكوفا عودة هائلة للأسماك. وفقًا لمؤسسة (بلو مارين- Blue Marine) للمحافظة على المحيطات، فقد زاد عدد الأسماك لكل متر مربع عشرة أضعاف منذ تطبيق مناطق حظر الصيد سنة 2012 وزاد دخل الصيادين المحليين بنسبة 400 بالمئة.

يقول كازيلكايا: "أصبح خليج جوكوفا مثالًا رائعا للحفاظ على البيئة"، مضيفا أن نجاحه ساعده في اقناع الحكومة التركية بتوسيع شبكة المناطق البحرية المحمية الاخرى على طول اكثر من 300 ميل من الساحل التركي.

يأمل كازيلكايا أن تضيف جائزة غولدمان البيئية زخماً لمهمته. فهو يود أن يرى المحميات البحرية التي تم إنشاؤها في جميع أنحاء تركيا والبحر الأبيض المتوسط بأكمله، ويأمل أن يكون عمله قد فتح أعين الناس على الأزمة تحت الماء وما يمكن القيام به لحلها، "فالمحيطات مهملة للغاية، لأنه لا أحد يضع رأسه تحت الماء"، بحسب وصفه، "إذ يعمل هذا النظام لصالح الأسماك وأسماك القرش وفقمة الراهب وعموم البشر، وإذا كان هذا ممكنًا هنا، فلماذا لا توجد أماكن أخرى؟"

عن موقع: سي أن أن