بغداد: قاسم موزان
لعل من البديهي أن الهدف من وجود مؤسسات الدولة، هو تقديم الخدمات للمواطنين بشكل يليق بهم والمحافظة عليها من مسؤولية الجميع لاستمرار تدفق الخدمات، الا ان البعض يلحق الضرر الفادح بمنشآت الدولة والاعتداء عليها بشكل سافر باساليب قديمة واخرى مبتكرة تنم اما عن جهل او ازمات نفسية غير سوية او استهتار او إشكال في المنظومة الاخلاقية، وكأن التصرفات امتداد للفترة الحرجة بعد 2003 الذي خربت ودمرت واحرقت دوائر حكومية ذات المساس المباشر بحياة المواطن وما زال يدفع ثمنها حتى الآن.
منها التجاوز على الرصيف، سرقة الكهرباء، والكتابة على الجدران بخطوط مشوهة وقص سلاسل الجزرات الوسطية، وتحويل المتنزهات الى مكبات للنفايات وهذه السلوكيات ناجمة عن غياب رؤية ناضجة لبلورة نتاج حضري للمدن.
الى ذلك قال أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية: هذا التخريب يستند الى العامل السيكولوجي الأهم هو أن الانتماء للوطن لدى العراقيين أضعفه حكّامها، لا سيما صدام الذي ساوى شخصه بالعراق فحصل، حين يطاح بهؤلاء الحكّام انهيار الانتماء القسري لهم، فينهب الناس ما حرموا منه او ما عدّوه حقا لهم، سلبه منهم حكّام انفقوه في ترف سفيه،ولا يدركون أنهم ينهبون الوطن، لأن انتماءهم له كان معدوما، ولأن الوطن الذي لا يحترم فيه المواطن، ولا تتحقق فيه عدالة توزيع ثرواته بين أبنائه، فإنه أما أن يهجره الى مكان يشعر فيه بآدميته، أو ينهبه حين يطاح بطغاته، مشيرا الى ما حدث في نيسان 2003 حيث نهبت ذاكرة الوطن المتمثلة بـ “المتحف العراقي”، وإحراق المؤسسات الحكومية، نجم كله عن اقتران شرطي بين النهب واسقاط النظام، جرى تشفيره في العقل الجمعي.
آداب السلوك المدني
بينما عدت الدكتورة مروج مظهر عباس، الاعتداء على ممتلكات الدولة والعبث بها جريمة، على الرغم من انها ظاهرة قديمة، إلا أن ما يثبت استمرارها ما حدث بعد 2003 اذ اصبح المال العام مباحاً ومحلاً للاعتداء والاستيلاء عليه، بأساليب مختلفة بدأت من تخريب الأماكن والمرافق والحدائق والمتنزهات العامة، وخطوط الكهرباء والشوارع وأنابيب المياه، فلا يكاد يخلو يوم إلا ونشهد فيه لعملية اعتداء وظواهر تخريبية تدل على الخروج عن آداب السلوك العام ومساس بامننا الوطني والمجتمعي والاقتصادي.
وتابعت عباس لا يشترط أن يكون هذا الاعتداء والاستيلاء مادياً، فأي فعل من شأنه التأثير على وظيفة الشيء يعد تعطيلاً لمهمته، فضلاً عن أن الاعتداء على المال العام حرم شرعاً، كونه افناء للقيم والأخلاق وأسوأ من الاعتداء على المال الخاص.
ثقافة الحق العام
ودعت الاعلامية نور عبد الرزاق إلى ترسيخ ثقافة الحق العام والملكية العامة المشتركة وأهمية الحفاظ عليها، وتعتقد عبد الرزاق أن هذا دور مناط بالمؤسسات التربوية والاعلامية والأسرية، التي يجب أن تكثف مجهوداتها، بغية تحفيز الشباب على إدراك مسؤولياتهم العامة تجاه وطنهم التي ابرزها عدم العبث بالممتلكات، أو سرقتها أو تشويهها، علينا أن نعيد صناعة مفاهيم الحق والحرية الفردية، ونخط لها خطوطا تتماشى مع الحقوق والحريات العامة التي يجب ألا تتعارض معها.
من جانبه أشار حيدر صباح معن كلية اعلام المستنصرية إلى أن الظاهرة مثيرة للانتباه، ولم توفر الحكومات السابقة شروط حمايتها، إلى أن تفاقمت بدرجة كبير، ولم تسع إلى ترسيخ ثقافة حماية الممتلكات العامة وأهمية وجودها، فهي ملك للشعب ولخدمته، وأن الإضرار بها يعد إساءة للجميع، لافتا الى التصرفات غير مسؤولة تمارس في ظل غياب القانون والجهل التام.
والقانون العراقي يشدد في عقوبة على يحدث ضررا في الممتلكات العامة عمدا، تصل الى السجن المؤبد على اقل تقدير.. ولكن أين التنفيذ؟.