هل تنجح الديوانيَّة في إنشاء بنية تحتيَّة رصينة؟

ريبورتاج 2023/05/25
...

 عباس رضا الموسوي 

ما زالت مشكلة الخدمات تتصدر المشهد في محافظة الديوانية، خصوصاً بعد أن كشفت الأمطار الغزيرة التي هطلت قبل شهر تقريباً عن خلو هذه المحافظة المنكوبة نتيجة الإهمال من مشاريع البنية التحتية التي تعد أساس الواقع الخدمي، لذلك اتخذت قرارات عديدة من قبل رئاسة الوزراء بلغت حد استبدال المحافظ ورفد الديوانية بحملات وزارية، وإعادة العمل بالمشاريع الوزارية المتلكئة وغيرها من إجراءات يراد من خلالها النهوض بالواقع الخدمي، خصوصاً أن هذه المحافظة لا تمتلك مصادر التمويل المالي، لكونها تخلو من المنافذ الحدودية والسياحة الدينية وآبار النفط وغير ذلك من إيرادات مالية.

واقع خدمي مزر  

إن الحديث عن واقع الخدمات في محافظة الديوانية يفرض عليك وضع معاناة مواطني الأحياء السكنية نصب عينيك، إذ إن هؤلاء المواطنين يشكون من نقص في الخدمات الأساسية منذ سنوات دون أن يجنوا من شكواهم غير الوعود الفارغة، إذ يقول المواطن علي الخزعلي: أسكن في الحي العسكري وبإمكاني وصف خدماته بغير المتوفرة، حيث نعاني في فصل الصيف من انقطاع الكهرباء شبه المستمر وشحة مياه الشرب وانتشار الحشرات نتيجة كثرة المستنقعات، بينما تكمن معاناتنا في فصل الشتاء بغرق المنازل وانقطاع الأحياء السكنية عن بعضها البعض نتيجة الأمطار، وعدم وجود الشوارع المبلطة باستثناء الشوارع الرئيسة والتي هي الأخرى تعاني من التكسرات ومشكلات أخرى من الصعب تحملها. أما المواطن ماجد ابراهيم فيقول: إن كثرة الوعود التي قطعها المسؤولون لأهالي الديوانية لو تحقق جزء بسيط منها لكان الواقع الخدمي في هذه المحافظة بخير.


الأحياء السكنية تشكو

ولأن المشكلات الخدمية يكون أثرها الأكبر في سكنة الأحياء السكنية ذات الكثافة السكانية العالية، فإن المناطق الشعبية الواقعة على أطراف مركز محافظة الديوانية تشكو من ضعف في الخدمات، إذ يقول عضو المجلس المحلي السابق رسول الشريفي: إن الأحياء السكنية ذات الكثافة العالية تتعرض لأسوأ وضع خدمي بسبب إهمال الدوائر الخدمية وانشغالها في مشاريع أغلبها تنفذ في قطاع الترفيه، متسائلاً عن فائدة إنشاء متنزه في حي سكني شوارعه محفرة ومجاريه طافحة؟، مشيراً إلى ضرورة إعداد خطة مشاريع مدروسة بعناية تلبي حاجة المواطنين الذين لا يمكن أن يثقوا بالوعود التي يطلقها المسؤولون، لكونها غير قابلة للتحقيق، ودعا الشريفي الحكومة المحلية إلى تكثيف الزيارات إلى الأحياء السكنية ذات الكثافة السكانية العالية للوقوف على واقع الخدمات المقدمة وما تحتاجه من مشاريع إذا كانت هذه الحكومة جادة بتحسين الواقع الخدمي. 


الخدمات في الأقضية

كثيرون هم الذين يتساءلون عن الأسباب التي تقف وراء إعطاء الأولوية في المشاريع إلى الأقضية بما أن مركز المحافظة أهم من الناحية الإدارية وأكثر كثافة سكانية، بل يذهب البعض إلى تفسير الأمر بكون أغلب المسؤولين في البرلمان والحكومة المحلية هم من أبناء الأقضية، غير أن الحقيقة التي يراها المواطن عبد علي عاجل تختلف، إذ يقول: أنا أسكن في قضاء الدغارة منذ سنوات طويلة ولم ألمس تحسناً في واقع الخدمات المقدمة، خصوصاً أن هناك أحياء سكنية ومناطق ريفية في قضاء الدغارة تشكو من شحة المياه وانقطاع الكهرباء، خصوصاً في فصل الصيف، مضيفاً: أن ثمة حالة تفرض التوقف عندها تتمثل بكون المشروع الذي ينفذ في الأقضية والنواحي والأرياف يكون أطول عمراً من الذي ينفذ في مركز المحافظة بسبب قلة الكثافة السكانية، ومثال ذلك أن مرور السيارات على تبليط أحد الشوارع في القضاء أقل بكثير منه في مركز المحافظة، موضحًا أن العديد من الأبنية المدرسية في الأقضية ما زالت كرفانية وبعضها يحتاج إلى أعمال صيانة وترميم، وأن بعض الأرياف لم تحصل على أبسط الحقوق الأساسية، ومنها إنشاء المراكز الصحية ومجمعات الماء.


نحتاج إلى شركات رصينة

وعن كيفية إنشاء مشاريع خدمية جديدة تكون ضمن الشروط المطلوبة والمعايير التي تنسجم مع إنشاء بنية تحتية رصينة، خصوصاً أن الشركات المحلية تعاني من فشل في تنفيذ المشاريع الكبيرة مثل مشروع مجاري الديوانية الكبير، يقول المهندس علي حسين: إن تنفيذ المشاريع الكبيرة التي تكون الأساس الجيد لمستقبل الديوانية الخدمي يفرض علينا التعاقد مع شركات عالمية رصينة لها القدرة على إنشاء مثل هذه المشاريع، موضحاً: لقد أثبتت لنا التجارب عدم أهلية الشركات المحلية لمثل هذا النوع من مشاريع البنية التحتية، كون الأمر يتعلق بالإمكانات والقدرات والخبرات، ولا علاقة له بالمزايدات الأخرى التي أفشلت العديد من المشاريع السابقة، داعياً إلى توجيه دعوات مباشرة إلى الشركات الرائدة في إنشاء مشاريع البنية التحتية الرصينة وتوفير المناخات الملائمة لهذه الشركات لغرض النهوض بواقع الديوانية الخدمي الذي بات حديث الناس في الشارع والمقهى والإعلام لكثرة الأخطاء التي رافقت تنفيذ الخطط الخدمية طيلة السنوات الماضية.


تواضع مستوى الحملات

إن لحملات الجهد الذاتي التي تنفذها الدوائر الخدمية في محافظة الديوانية بين الحين والآخر أثراً إيجابياً متواضعاً، لكونها لا تسد حاجة المواطنين بالشكل المطلوب رغم فوائدها البسيطة، خصوصاً أن الأعمال التي تنفذها هذه الحملات لا تتعدى رفع الأنقاض والنفايات وقص الشوارع غير المبلطة، وسحب مياه المياه المكدسة وغيرها من أعمال لا ترتقي إلى احتياجات المواطنين، ويقول المواطن سلام محسن: إن ما تقوم به الدوائر الخدمية من حملات جهد ذاتي غير كافية لتحسين مستوى الخدمات في عموم مناطق المحافظة، خصوصاً أنها أعمال بلدية بسيطة تستخدم فيها آليات معدودة وعمال لا يتعدون أصابع اليد الواحدة في أغلب الأحيان، مشيراً إلى ضرورة تنفيذ مشاريع ذات مردود خدمي فعلي يساعد على رفع المستوى الخدمي ويمنح المواطنين الأمل في مستقبل أفضل بعد كل هذه الانتكاسات التي عصفت بهم طيلة السنوات الماضية، داعياً الحكومة المحلية الجديدة إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة الخدمات عبر اشراك القطاع الخاص للاستفادة من آراء أهل الخبرة والتجربة، وعدم إناطة مسؤولية خدمات المحافظة لبضعة أشخاص يعملون في ديوان المحافظة. 


إشراك الوزارات

إن حاجة محافظة الديوانية لإنشاء بنية تحتية رصينة لا تتناسب مع تخصيصاتها المالية، لأنها تعرضت على مدى سنوات للإهمال الذي طال مختلف قطاعاتها، الآن مشاريع نفذت هنا وهناك لذلك توجهت إدارتها الجديدة إلى رفع مستوى التنسيق مع الوزارات والمؤسسات الأخرى للحصول على الدعم المالي الذي يرفع عنها الحرج أمام مواطنيها. 

إذ يقول معاون محافظ الديوانية للشؤون الفنية ردفان عبد المجيد الغانمي: إن الحكومة المحلية باشرت بتنفيذ خطة عمل تهدف إلى رفع مستوى التنسيق مع الوزارات والجهات المانحة لإنشاء عدد من المشاريع الكبيرة التي يصعب تنفيذها ضمن التخصيصات المالية للمحافظة، موضحاً أن الجهود أسفرت عن تخصيص قطعة أرض لإنشاء مستشفى سعة ٢٠٠ سرير في مركز المحافظة من قبل العتبة العباسية، وإنشاء ١٨٠ بناية مدرسية في مناطق متفرقة من المحافظة ضمن المشروع الصيني، مشيراً إلى مساعٍ لإنشاء مدينة مالية بالتعاون مع وزارة المالية وtbi وتأهيل ٤٢ حياً سكنياً ضمن تخصيصات وزارة البلديات والأشغال، وإنشاء شبكة مجاري في ثلاثة أقضية وغيرها من مشاريع خدمية ضرورية، وأكد الغانمي عزم الحكومة المحلية على تبليط وإنارة وإنشاء أرصفة ١٥ شارعاً رئيسياً في مركز المحافظة ضمن تخصيصات تنمية الأقاليم لسنة ٢٠٢٣، ومشاريع أخرى تتمثل بمشاريع بنية تحتية في المناطق غير المخدومة، ومشاريع سطحية في المناطق المخدومة بشبكات المجاري، مشيراً إلى نية الحكومة المحلية إنشاء آلية تتبع جديدة لسير إنجاز المشاريع، بدءاً من إحالتها حتى إنجازها وفترة صيانتها، وشدد معاون محافظ الديوانية للشؤون الفنية على حاجة المحافظة لتخصيصات مالية تتناسب مع احتياجاتها لتنفيذ مشاريع خدمية جديدة، خصوصاً أنها تفتقر إلى مشاريع البنية التحتية التي تعد الأساس لتنفيذ المشاريع الفوقية، داعياً الوزارات إلى التعاون مع المحافظة لغرض توفير الخدمات التي يحتاجها المواطن.


مشاريع تنتظر التنفيذ

لقد حصلت محافظة الديوانية على فرصة جيدة لتنفيذ عدد من المشاريع الخدمية، ضمن تخصيصات الأمن الغذائي والتنمية والتي وزعت بين مناطق وقطاعات مختلفة، ويقول مدير العقود في محافظة الديوانية المهندس نبيل البعاج: إن اللجان المعنية في ديوان المحافظة تمكنت من إحالة عدد من المشاريع الخدمية خلال الأسابيع الماضية ضمن تخصيصات الأمن الغذائي والتنمية، موضحاً أن عدد المشاريع التي أحيلت بلغت ٤٦ مشروعاً وزعت بواقع ١٣ مشروعاً في قطاع الكهرباء و٨ مشاريع في قطاع الماء و١٢ مشروعًا في قطاع الطرق الريفية و٣ مشاريع في قطاع المجاري و٥ مشاريع في قطاع البلديات و٥ مشاريع في قطاع المباني العامة.

وأكد البعاج تبني إدارة المحافظة آلية تضمن الحصول على مشاريع منفذة وفقاً للشروط والمواصفات الفنية والهندسية المطلوبة من خلال اختيار الشركات الرصينة التي تمتلك سجلًا مشرفًا في تنفيذ المشاريع، فضلاً عن تشديد الرقابة على المشاريع من قبل لجان المتابعة طيلة مراحل التنفيذ وغيرها من اجراءات نضمن من خلالها الحصول على مشاريع جيدة، خصوصاً أن هذه المشاريع التي أحيلت مؤخراً تقع في مناطق يعاني سكانها من نقص في الخدمات، ومنها أقضية الشامية وغماس والحمزة والبدير والشنافية والشافعية والصلاحية وعفك والسدير بالإضافة إلى إحياء مركز المحافظة.


ملامح المرحلة المقبلة

وفي حديثه لنا قال محافظ الديوانية ميثم عبد الإله الشهد: إن مواطني المحافظة وإدارتها يشيدون بالاجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والتي أفضت إلى سرعة في إنجاز العديد من المشاريع المتلكئة ومنها مشروع مجسر الجمهورية، وتحقيق نسب إنجاز متقدمة في مشاريع أخرى، مشيراً إلى أهمية توصيات رئيس الوزراء بأن تخصص مشاريع الأمن الغذائي إلى البنية التحتية التي تفتقر لها الديوانية، ما وضع حركة الإعمار في مسارها الصحيح.

وأكد الشهد، تبني إدارته لخطة عمل متكاملة لتحسين مستوى الخدمات في مركز وأقضية المحافظة من خلال التحرك عبر تقديم الخدمات اليومية عبر حملات تنفذها الدوائر الخدمية على الرغم من التحديات القائمة، ومنها نقص الآليات والعمال، مشيراً إلى نية الحكومة المحلية التعاقد مع إحدى شركات التنظيف الرصينة لغرض تجاوز مشكلة رفع النفايات، خصوصاً أن التعيينات الأخيرة لم تكن مدروسة بالشكل المطلوب. وكشف محافظ الديوانية عن تمكن قسم العقود في ديوان المحافظة من إحالة ٥١ مشروعاً ضمن تخصيصات الأمن الغذائي ونحو ٢٠ مشروعاً آخر في طور الإحالة وزعت بين مناطق وقطاعات مختلفة، لافتاً إلى تشكيل غرفة عمليات لإعداد خطة تعنى بمشاريع تنمية الأقاليم لسنة ٢٠٢٣ من بين مهامها التواصل مع إدارات الأقضية والنواحي لمعرفة أبرز الاحتياجات الخدمية التي يفتقر لها المواطن. 

وأكد الشهد استمرار إدارته في محاربة الفساد الإداري والمالي من خلال اتخاذ الاجراءات اللازمة، ومنها تشديد الرقابة على الدوائر والمؤسسات الحكومية، واستبدال مدراء الدوائر والأقسام، وفتح منافذ جديدة لتواصل المواطنين مع الجهات المعنية للابلاغ عن الحالات المشبوهة، مشيراً إلى تخصيص يوم في الأسبوع لمقابلة المواطنين والاستماع إلى شكاواهم ومقترحاتهم، محذراً من عواقب قانونية وخيمة ستطول كل من يثبت استغلاله للمواطنين، ودعا المحافظ مواطني الديوانية إلى مراجعة قسم شؤون المواطنين للابلاغ عن المظلومية التي تحل بهم لإيجاد الحلول القانونية المناسبة، مفيداً أنه أوعز إلى الدوائر الحكومية بفتح أقسام لشؤون المواطنين والتعامل مع مشكلاتهم بالسرعة المطلوبة.