سعد صاحب
تصوير: نهاد العزاوي
الغربة عالم مريب ، من الالم والقهر والتشرد والخوف والشقاء والتعب، و يكتشف الغريب فيها اسرارا غامضة، ويعيش في حالة من السكوت والقلق والسهاد، والتحديق في الفراغ والمجهول، ويذل كما نهر سد مجراه ، بالاحجار والنفايات والاتربة والحديد والاهمال.
(بالغربه شفت التعب وتعلمت معناه / وتعلمت عالسهر والسكته والصفنات / ذليت ذل النهر من ينكطع مجراه ). ويعرف بعد فوات الاوان ، ان النخيل المقدس في الكتب السماوية ، صاحب الجلالة والحضور والمكانة والاعتبار، هذا الشامخ في ازمنة الجدب والرخاء ، ينحني اجلالا للرياح القادمة ، حين تأتي وعلى جنحها يرقد المهاجر الغريب .( واعرفت كلشي اعرفت / حتى النخل ينحني / الريح السفر من يجي / وجايب غريب وياه ).
شناشيل
لا يختصر تعريف الوطن بالتاريخ والجغرافيا واللغة والروابط المشتركة ، وانما هو حب فطري يلامس القلوب، ويسوي بها ما يسوي من الجنون والهوس والاضطراب ، وهو طفولة وشوارع ومدارس وبيوت وملاعب ومقاه واضرحة مقدسة، وازقة وشناشيل وتراب واغنيات ودفاتر ملونة ومدينة العاب ودمى ، وذكريات حية لا تموت ، وفي دهاليز الغربة الموحشة، يعرف المسافر المجبور على الرحيل قيمة الاوطان، ويشعر حتى نيرانها المستعرة، هي برد وسلام وثلج وغفوة امنة.( الله يا هالوطن شمسوي بيه الله / نيرانه مثل الثلج / كلما تدك عالضلع / ابرد واكول
اشاه ).
ذهب
معظم الاشياء الغالية التي يفقدها الانسان ، بالامكان تعويضها بطريقة واخرى، فمن ضاع منه الذهب الثمين، يمضي الى صائغ ماهر ويدفع اليه المال، ويصوغ ما يحلو له من السبائك والاساور والاقراط والخواتم.(اللي مضيع ذهب / بسوك الذهب يلكاه). ومن فارق حبيبا غاليا ينساه في زحمة المشاغل.( واللي مفارك محب / يمكن سنه وينساه ). والذي تعرض قلبه الى الخراب، يشكلون له قلبا جديدا ويواصل الحياة بشكل طبيعي .( والطاح منه الگلب/ گلب اصطناعي انلكه / ويشكلونه اهناه). اما الذي اضاع وطنا اصيلا، يبقى يعاني من مرارة الفقدان، ولم يجد مثله نظيرا، في رحلة البحث ما بين البلدان السعيدة .( بس المضيع وطن / وين الوطن
يلكاه ).
خبز
الخبز ديمومة الوجود، وانه مقدس في ثقافتنا الدينية، ومن يخون الخبز والملح والماء، يحل به عقابا مؤذيا، بعد فترة من الزمن او في المستقبل القريب.( ا يا وطن يا خبز / يلشارتك تكتل ). الطفل زهرة البيت ، ولولا صيحاته المتواصلة يتحول المنزل الى جحيم ، وبوجوده يمتلئ الكون بالسعادة والغبطة والجمال والحكمة، والضحكة البريئة لا نجدها، الا على تلك الشفاه الباسمة، وهكذا يصير الوطن طفلنا المدلل المحبوب، ودائما نصوغ له نبض القلوب خلخالا يرن في الاعراس .
(ايا وطن يا طفل / هنيال من صاغ الك / نبض الگلب جنجل).
عراق
يبقى العراق العظيم برغم الجراح والطعون والحروب والدسائس ، ورغم انوف البغاة ، بابا مفتوحا لكل الاحبة الطيبين ، وزفة عرس تزغرد فيها نجوم السماء .( يا وطن زفة كمر / ونجوم اله تهلهل ).ومهما تعذبنا في سبيل وجوده الكريم ، لا نعذبه ابدا ولا نقول في حضرته كلمة جارحة ، ونضحي من اجله في كل اوان ، فالعاشق لا يكون قاتلا ، ويكتفي ان يصير قربانا ، للصبايا الذاهبات الى المدارس ، للفقراء الحالمين بكسرة خبز شريفة ، للعصافير السعيدة ولاصوات الطيور الناعمة .( عذبني ما عذبك / واكتلني ما اكتلك / طبع اليحب ينكتل / موش اليحب
يكتل ).