التربية الإعلامية مدرسيّاً

العراق 2019/04/22
...

سالم مشكور
 
الاعلام أحد العوامل الأساسية في بناء الأوطان من خلال دوره الكبير في بناء الانسان بصورة سليمة، بناء الروح الإيجابية لديه، وبناء الثقة بنفسه وقدراته على الإنجاز، وبناء مواقفه  وترسيخ منظومة قيمه الأخلاقية والانسانية ، باعتبار الانسان هو أساس الأوطان، بصلاحه تُبنى وبتخريبه تتهدّم، وهذا يعتمد على المحتوى الذي يقدمه هذا الاعلام ودوافع الجهات التي وراءه. وأمامنا اليوم شواهد واضحة حول مدى التخريب الظاهر أو المستتر، المقصود أو الناتج عن جهل، الذي تمارسه وسائل اعلام حول العالم ومنها ما يستهدف مجتمعاتنا العربية. وبدخول الاعلام الرقمي- وخصوصا منصات التواصل- ميدان نقل المعلومة وتصنيفها ضمن وسائل الاعلام والاشهار، بات لزاماً على المهتمين، باحثين وسياسيين وأصحاب قرار، المساهمة في وضع سياسات جدّية لحماية المجتمع من تأثيرات الاعلام السلبي الذي يستهدفه.
*إن ضبط إيقاع الخطاب الإعلامي الخاص والرسمي، يتم بمجموعة معايير تتضمنها مدونات ملزمة وقوانين صارمة، مع جهات تراقب الخطاب وتقيّمه لتقوم بتقويمه في حال الخروج عن هذه المعايير. لا نتحدث هنا عن قمع الحريات وتكميم الافواه بما يفقد الاعلام قيمته ويحوّله الى وسائل دعاية سياسية، إنما نعني منع تجاوز حدود الحريّات الى مساحة الاضرار والتخريب، فلا حريّة تخرّب أو تضرّ إنساناً ومجتماً ووطناً.
على الجانب الاخر، يجب التركيز على عملية تحصين الجمهور ضد التأثير السلبي الاعلام، وهذا التحصين لا يعني منع وصول هذا الخطاب الإعلامي الى الجمهور، فهو أمر بات من المستحيلات في ظل تطور تقنيات الاتصالات التي تخترق كل الحجب.
 التحصين المقصود هنا هو ما يعبر عنه بالتربية الإعلامية التي من شأنها رفع الوعي لدى المتلقي لتمكينه من تحديد الصادق من الكاذب، والبناء من التخريبي، في الخطاب الإعلامي. 
إن السبب الرئيس في الكثير من مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والصحية و... هو ضعف أو غياب الوعي. التحصين الأفضل هو رفع مستوى الوعي 
لدى الجمهور
وحيث أن كل مواطن بات إعلامياً بحكم وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التقني المتسارع، والذي أخذ يفوق بتأثيره وسائل الاعلام التقليدية، فان عملية تنظيم الخطاب الإعلامي وفرض الالتزام بضوابطه وفقاً لمدونات السلوك، لابد وأن تمتد الى هذا القطاع من خلال سن وتطبيق قوانين لمواجهة خرق المعايير الواردة في هذه المدونات أو التي تنص عليها المواد القانونية. هذا الامر يستلزم نشر وترويج هذه المعايير على نطاق واسع، في إطار عملية تثقيف واسعة من خلال الاعلام والمؤسسات التعليمية والتربوية وحتى المنابر الدينية، خصوصا وان معايير الخطاب الإعلامي الإيجابي هي أخلاقية إنسانية هدفها منع الضرر عن الانسان وصون أمنه وكرامته ومصالحه وهذا هو صلب المنظومة الأخلاقية التي تؤكد عليها الأديان السماوية والمدارس الأخلاقية 
الوضعية.