قبة إسرائيل الحديديَّة وقدرة صواريخ غزة

بانوراما 2023/05/27
...

  آدم تايلر وبريتاني شم     اس 

  ترجمة: أنيس الصفار 


صوت مألوف عاد يدوي في جنوب إسرائيل.. ذلك هو صوت صفارة الإنذار محذرة من الصواريخ الذي سرعان ما أعقبته أصوات انفجارات صواريخ القبة الحديديَّة الاعتراضيَّة. ففي يوم الأربعاء 10 أيار أطلق المقاتلون الفلسطينيون في قطاع غزة مئات الصواريخ الى داخل إسرائيل في أعقاب موجة من الضربات الجويَّة الإسرائيليَّة.

قال الجيش الإسرائيلي إن منظومة الدفاع الصاروخيَّة الإسرائيليَّة قد تمكنت من تعطيل 60 صاروخاً من أصل 270 أطلقها مقاتلو غزة يوم العاشر من أيار. ثلاثة من الصواريخ سقطت على مناطق مسكونة، وفقاً لصحيفة “تايمز اوف إسرائيل”، بينما أخفق العدد الباقي في الانطلاق من غزة أو سقط في مناطق مكشوفة.

جاءت الهجمات الصاروخيَّة في أعقاب ضربات جويَّة إسرائيليَّة أدت الى قتل أكثر من 20 شخصاً في غزة على مدى يومين، وهذه هي المرة الأولى منذ موجة العنف التي استغرقت اسبوعين في 2021 التي تستهدف فيها الصواريخ مدينة تل أبيب أكثر المدن الإسرائيليَّة اكتظاظاً بالسكان.

تواصل تبادل إطلاق الصواريخ والغارات الجويَّة لبضعة أيام، فما الذي تعرفه عن الصواريخ التي تطلق من غزة وعن شبكة الدفاع الجوي الإسرائيليَّة التي تعترضها؟


ما هي القبة الحديديَّة؟

قبة إسرائيل الحديديَّة هي منظومة للدفاع الجوي طورتها شركتا “رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة” و”إسرائيل للصناعات الجوفضائيَّة” بدعمٍ مالي وتقني من الولايات المتحدة.

دخلت المنظومة الخدمة لأول مرة في العام 2011، وهي مصممة لصد الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعيَّة، كتلك التي أطلقت من غزة. هناك نظامان منفصلان يعرف الأول باسم “مقلاع داود” والثاني باسم “آرو” وهما مصممان لصد التهديدات متوسطة وبعيدة المدى، بما في ذلك الطائرات والطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف الصاروخيَّة.

تعتمد القبة الحديديَّة على نظام رادار وتحليل لتحديد ما إذا كان الصاروخ المقبل يشكل تهديداً فعلياً، لأنَّ سلاح الاعتراض لا يطلق إلا بعد التثبت من أنَّ الصاروخ الآتي يهدد بضرب منطقة مأهولة أو بنى تحتيَّة مهمة.

الصواريخ الاعتراضيَّة، التي تطلق عمودياً إما من وحدات متنقلة أو من موقع إطلاق ثابت، مصممة بحيث تفجّر الصاروخ الآتي وهو في الجو، منتجة انفجارات في السماء باتت من السمات المصاحبة لصفارات الإنذار خلال المواجهات الإسرائيليَّة الفلسطينيَّة الأخيرة.

في حديثٍ مع صحيفة “إسرائيل هايوم” في العام 2021 قال مسؤولون في الدفاع إنَّ الأجهزة المشغلة للمنظومة المذكورة لم تتغير منذ نشرها أول مرة، ولكنَّ برامجها التشغيليَّة شهدت تغيرات جعلتها أعلى قدرة مع مرور السنين.

قال “موشي باتيل”، مدير مديريَّة حوما في وزارة الدفاع، متحدثاً الى الصحيفة اليمينيَّة إنَّ القبة الحديديَّة لديها القدرة على مواجهة صواريخ كروز والطائرات المسيرة وما هو أكثر.

بيد أنَّ بعض منتقدي القبة الحديديَّة كانوا يقولون منذ وقتٍ طويلٍ إنها من حيث الأساس إنما تؤدي الى إطالة أمد الصراع.

كتب أستاذ العلوم السياسيَّة الإسرائيلي “يو آف فرومر” في صحيفة واشنطن بوست في العام 2014 يقول: “بمرور الوقت قد يصبح ضرر القبة الحديديَّة أبلغ من نفعها، لأنَّ قدرتها على حماية الإسرائيليين من الهجمات الصاروخيَّة، التي كانت حتى الآن تأتي على فترات متباعدة، لن تفلح أبداً في إزالة أصل أسباب الصراع والسخط التي أنتجت الدافع لإطلاقها عليهم بلا هوادة”.


هل نجحت القبة الحديديَّة في صد الهجمات؟

يقول مسؤولو وشركات الدفاع الإسرائيليون إنَّ المنظومة قد أوقفت آلاف الصواريخ وقذائف المدفعيَّة وحالت دون وصولها الى أهدافها بنسبة نجاح فاقت 90 بالمئة.

غير أنَّ بعض محللي الدفاع يشككون في هذه الأرقام محتجين بأنَّ الأرقام التي يعلنها الإسرائيليون لنجاح عمليَّة الاعتراض لا يمكن اعتمادها وأنَّ الجماعات الفلسطينيَّة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، التي تطلق الصواريخ والمدفعيَّة من غزة قد تكيفت مع أسلوب عمل المنظومة.

في تقييمٍ له في العام 2019 كتب “مايكل ارمسترونغ”، وهو أستاذ مشارك ضمن جامعة بروك وله دراسات في فعاليَّة المنظومة المذكورة، الى مجلة “ناشنال إنتريست” يقول: “لا وجود لمنظومة دفاع صاروخي معتمدة بشكلٍ كامل، لا سيما بوجه تهديدٍ دائم التطور.”

خلال المواجهات التي وقعت في أيار 2021 كرر الجيش الإسرائيلي ادعاءه بأنَّ 90 بالمئة من الصواريخ التي دخلت المجال الجوي الإسرائيلي قد تمَّ تدميرها من قبل القبة الحديديَّة. في ذلك الحين أطلق أكثر من 1000 صاروخ من غزة على مدى 38 ساعة، وفقاً للجيش الإسرائيلي. وفي آب 2022 قدّر الجيش الإسرائيلي نسبة نجاح الاعتراض التي حققتها القبة الحديديَّة تبلغ 97 بالمئة، وفقاً لتقارير صحيفة “تايمز اوف إسرائيل”.

لكن نسبة الاعتراض هبطت الى 60 بالمئة خلال التصدي لرشقة صواريخ من غزة ذات مساء في الأسبوع الماضي، كما ذكرت صحيفة “اورشليم بوست”. بعد ذلك توصل تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي الى أنَّ خللاً فنياً هو الذي سمح لما وصف بأنه “عدد صغير” من الصواريخ بالنفوذ، وأنَّ الخلل تمت معالجته بسرعة فاستعادت المنظومة فعاليتها، كما خلص التحقيق.

أعادت إسرائيل إشادتها بالمنظومة في 10 أيار على حسابها الرسمي في موقع تويتر مرفقة بلقطات لصواريخ تعترض ومعها عبارة: “حمداً لله على القبة الحديديَّة.”

وردَ في بيان للجيش الإسرائيلي في 11 أيار تمَّ بثه عبر البريد الالكتروني أنَّ العثرات الفنيَّة التي وقعت في الاسبوع الماضي كانت حوادث معزولة وأنَّ منظومة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي تبقى محتفظة بمستوى عالٍ من الجاهزيَّة والأداء العملياتي.

لقد غيرت القبة الحديديَّة الحياة بالنسبة لعديدٍ من الإسرائيليين خلال المواجهات الأخيرة، إذ سمحت بعودة الأوضاع الطبيعيَّة بدرجة من الدرجات في الأنحاء الجنوبيَّة من إسرائيل التي كانت ترزح ذات يوم تحت وطأة شبح الضربات الصاروخيَّة.

يقول مؤيدو القبة الحديديَّة إنها قد أنهت حاجة إسرائيل الى إرسال جنودٍ لدخول غزة في أوقات الاشتباكات، مثلما فعلت خلال أحداث العامين 2008 و2009.

يعدُّ هذا النظام منخفض الكلفة نسبياً، نظراً لأنه مصممٌ بحيث يطلق نيرانه فقط في حالة وجود تهديدات للحياة البشريَّة أو البنى التحتيَّة، لذا يكون عدد الصواريخ الاعتراضيَّة المطلوبة أقل، وهذا يزيده جاذبيَّة في نظر الحكومات الأجنبيَّة، بما فيها الجيش الأميركي الذي اشترى بطاريتين منه لاستخدامها.

لكنَّ بعض الإسرائيليين يقولون إنَّ الحكومة تعتمد على النظام أكثر مما ينبغي، في حين أنها لا تخصص موارد كافية لوسائل الدفاع الأخرى، بما في ذلك الملاجئ.

قال “غاي مان” وهو من سكان مدينة عسقلان في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي في 2021 بعد أنْ أصيب مبنى مجاورٌ له بصاروخ: “المنزل غير محمي، ومن غير الواقعي أنْ تخرج مفتشاً عن ملاجئ أخرى في الحي، لا سيما عندما يكون وابلُ القصف مستمراً. لا يسعنا في هذه الحالة إلا أنْ نعتمد على القبة الحديديَّة والحظ.”


صواريخ غزة والقبة الحديديَّة؟

رغم وجود القبة الحديديَّة في الاستخدام منذ عقودٍ فإنَّ الصواريخ لا تزال تطلق الى داخل إسرائيل كلما حدث توتر مع الجماعات الفلسطينيَّة. وحتى لو سلمنا بأعلى التقديرات لنجاح القبة الحديديَّة فإنَّ بعض الصواريخ تتمكن من الوصول الى المناطق المسكونة.

يقدر الخبراء الذين يتابعون ترسانة سلاح حماس والجهاد الإسلامي أنَّ المنظمتين ربما كانتا تمتلكان عشرات الآلاف من الصواريخ، التي تكون مصنوعة في أغلب الأحيان مما لا يتعدى حشوة متفجرة داخل حاوية معدنيَّة.

في بادئ الأمر كانت حماس والجهاد الإسلامي، وكلتاهما مصنفتان من قبل الولايات المتحدة ضمن الجماعات الإرهابيَّة، تتلقيان المساعدة من مستشارين من إيران وحلفاء آخرين وكانت المعدات تهرب إليهما عبر الحدود المصريَّة. بيد أنَّ معظم العمل الآن يتم إنجازه محلياً على يد خبراء فلسطينيين.

بدأت حماس، التي تسيطر حالياً على غزة، إنتاج صواريخها المسماة “قسّام” في العام 2001 أو نحو ذلك خلال فترة الانتفاضة الثانية. في البداية كان مدى الصواريخ لا يتعدى 3 الى 5 كيلومترات، لكنَّ النسخ اللاحقة، مثل “قسّام 3”، امتد مداها الى أكثر من 16 كيلومتراً. 

بيد أنَّ بعض الصواريخ غدت أبعد مدى من هذا بكثير. ففي العام 2019 أعلن الجيش الإسرائيلي أنَّ صاروخاً فلسطينياً أصاب منزلاً بالقرب من تل أبيب بلغ مداه أكثر من 120 كيلومتراً.

الصواريخ قصيرة المدى تشكل هي الأخرى تهديداً؛ لأنَّ القبة الحديديَّة تكون أقل فعاليَّة ضمن نطاق 4 كيلومترات أو أقل، كما قال “ميخائيل هيرزوغ”، وهو عميدٌ متقاعدٌ في الجيش الإسرائيلي، خلال حديثٍ مع صحيفة واشنطن بوست الأميركيَّة عندما كان سفيراً لإسرائيل لدى الولايات المتحدة في تشرين الثاني 2021.

في يوم الاربعاء 10 أيار دوت أصوات صفارات الإنذار من الغارات الجويَّة في كل مكانٍ من مناطق وسط إسرائيل حتى بلغت أصواتها تل ابيب شمالاً محذرة من هجمات الصواريخ، فهرع بعض المدنيين مهرولين الى الملاجئ، وطلبت وزارة الدفاع إذناً من رئاسة الوزراء لتوسيع نطاق حالة الطوارئ كي تشمل تل أبيب والقدس.

رغم أنَّ الصواريخ غالباً ما تكون بدائيَّة الصنع والكثير منها يفتقر الى أنظمة التوجيه فإنَّ أعدادها الكاسحة وانخفاض كلفتها ميزتان لها على القبة الحديديَّة. فبينما لا تتعدى كلفة الصاروخ الواحد بضع مئات من الدولارات فإنَّ كلفة صاروخ الاعتراض الواحد تقارب 80 ألف دولار وفقاً لتقارير الصحافة الإسرائيليَّة.


عن صحيفة “واشنطن بوست” الأميركيَّة