لا تصحُّر في أرض السّواد

اقتصادية 2019/04/22
...

وليد خالد الزيدي
 
لا يبدو الأمر معقولا حين يقال إن العراق يعاني من مشكلة الزحف الصحراوي، خصوصا بعد موجة الفيضانات والسيول وارتفاع مناسيب المياه، على مناطقه الحيوية لأنه عرف منذ أقدم الأزمنة بأنه ارض الخصوبة الوارفة والمياه الجارفة والمروج الخضراء والمراعي الغناء، وبسبب ذلك عرف بـ “ارض السواد” لكثرة نخيله حينما يراه المقبل من بعيد.
كما لا يبدو الأمر مقبولا إذا ما بقي العراقيون مكتوفي الأيدي حيال ما يجري في ثروتهم الزراعية، حينما يحدث خلاف ذلك بعد أن تنهال عليها رمال الصحراء، فتحيلها إلى مساحات جرداء بعدما كانت ارض الخصب والنماء.
لكن بالعودة إلى ما جرى على واقع البلاد أثناء فترة الإهمال الحكومي في تسعينات القرن الماضي، نرى أن كل حقائق الجغرافية الطبيعية قد نسفت، والمعطيات والصفات الحيوية لبلدنا قد ذهبت إلى طريق مجهول، وكأنّ بلدنا أصبح في واد غير زرع، ما ترتّب على مسؤولي القطاع الزراعي حاليا مهام كثيرة يمكن أن تنفذ على أساسها برامج تنموية هادفة لإعادة أرضنا خصبة كما كانت وغنية بالموارد والمحاصيل كما عرفتها مصادر الثروات الطبيعية في أنحاء العالم قديما وحديثا.
لكن ما يزيد من صعوبة القيام بتلك البرامج هي مشكلة التعامل مع التجاوزات التي حدثت على مصادر الثروة الزراعية في الآونة الأخيرة، التي لا تبدو أنها تتعلق فقط بكمية المحاصيل الزراعية، إنما بنوعيتها وجودة المنتج منها، إذ طالتها يد العبث والتخريب في مواقع عدة كتجريف البساتين وقطع الأشجار، لاسيما النخيل الخاصة لإنتاج التمور، وأشجار الغابات، فتلك المشكلة قللت من المساحات الخضراء وجرّدت تربتها من النباتات ما جعلها اقل تماسكا وأكثر عرضة لعوامل التعرية، ومن ثم الزحف الصحراوي عليها، لاسيما المناطق الغربية من البلاد، ومناطق أخرى.
وزارة الزراعة تيقنت مخاطر تلك المسألة وبادرت إلى تنفيذ خطة عمل لإعادة مساحات واسعة مـن الأراضي الخالية من النباتات إلى الحياة، من مراحل تلك الخطة إقامة محميات زراعية في محافظتي واسط وبابل، والعمل على شتلها بأصناف نباتية مقاومة للجفاف وللانجراف للحد من خطر الزحف الصحراوي المقبل من غرب العراق، وتكثيف الجهود لوقف انتشار الأراضي القاحلة في المناطق التي تقل فيها المساحات الخضراء في البلاد، فضلا عن دعوتها لمحاسبة المتجاوزين على المناطق الزراعية.
الجهات القائمة على قطاعي الزراعة والموارد المائية لديها فرصة سانحة لإنجاح أعمالها، وتنفيذها للمشاريع والخطط الاستراتيجية التي يمكن أن تدفع بالمهام الموكلة لهذين القطاعين نحو الأمام، ومساهمتها في إيقاف المد الصحراوي نحو المساحات المزروعة في أكثر مناطق خصوبة ونماء في أرجاء المعمورة، وبذلك تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية الشاملة.