أ.د. قاسم حسين صالح
تعد الشاعرة نازك الملائكة (بغداد 1923 - القاهرة 2007) أول من لفتت انتباه الشعراء العرب الى الجانب السيكولوجي من الشعر في كتابها (سايكولوجية الشعر ومقالات أخرى) الصادر في القاهرة عام (1979) الذي ركزت فيه على مسألتين: الأولى، ضروروة أن يوثق الشاعر صلته باللغة وقوانينها، وأن يحتويها ليغرف منها بلا انتهاء ليبدع فيها بالصور والأنغام بإيقاعٍ موسيقي. والثانية، توكيدها على أن يتمسك الشاعر بالقافية لأنها جزء مهمٌ من موسيقى الشعر، وتعد تقفية القصيدة مطلباً سايكولوجياً ملحاً، لأن القافية - من وجهة نظرها الذكية - تقوِّي بصيرة الشاعر، وتفتح له الأبواب المغلقة الغامضة، وتأتيه بالأفكار، وتأخذه الى مجالات خصبة مفاجئة ومسارات خلابة تموج بالحياة.
وتضيف بأنَّ القافية وسيلة أمان واستقرار لمن يقرأ القصيدة، ووجودها يُشعر المتلقي بوجود نظامٍ في ذهن الشاعر. وترى أنَّ ترادف القافية يعطي إحساساً بأنَّ الشاعر يوقظ في المتلقي الحالة النفسية لما يعيشه هو.
لكنها كسرت القافية في أعمدة الشعر العربي، والدافع كان سايكولوجياً خالصاً لتحرر المتلقي من إيقاعٍ رويتني يعزف على وترٍ انفعالي واحد، بنقله الى نفس الإيقاع لكنه يعزف على أكثر من وتر.
وكان الحدث الذي أثار انفعالها سايكولوجياً أيضاً، ففي العام 1947 ضرب مصر وباء الكوليرا، وكانت نازك تستمع الى أحداثٍ مفجعة، وتعيش نفسياً وقع أرجل الخيل التى تجر عربات الموتى من ضحايا المرض فى الريف المصري، وفي أقل من ساعة أكملت نازك قصيدتها التي كان لسايكولوجيا الفواجع جرأة كسر القافية لتحرر انفعالاتها.. وتنشد:
(سكَن الليل
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ، تحتَ الصمتِ، على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ، يلتهبُ
تعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ.)
نازك أصيبت برهاب الخوف العصبي
نشر الصحفي المعروف عبد المطلب محمود العبيدي منشوراً في (24 الشهر الحالي «أعلن فيه أنه في العام 1991، زاره بمكتبه بجريدة الجمهورية الدكتور أحمد المختار مدير مستشفى المختار وأخبره أنَّ الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة ترقد في مستشفاه لأنها مصابة بـ»رهاب الخوف العصبي» جرّاء ما شهده العراق من عدوان التحالف الثلاثيني». وأنها وزوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة يريدان السفر الى القاهرة. وقد اتصل عبد المطلب بوزير الثقافة حامد يوسف حمادي وزارها حمادي في المستشفى، وانتهى الأمر بأنْ حضر الوزير وممثلٌ عن الرئاسة للإشراف على نقلهما بسيارة رئاسية إلى عمّان، مع توجيه سفير العراق بالإسراع بتسهيل نقلهما إلى القاهرة، على أنْ يتولى ممثل العراق في الجامعة العربية (سمير نجم/ أبو زينب) متابعة الحالة الصحيَّة للشاعرة والاهتمام بشؤونها وموافاة الوزارة بما يستجد من حالتها.
نازك كان والدها (صادق) قد اختار لها اسم نازك تيمناً بالثائرة السوريَّة نازك العابد، التي قادت الثوار السوريين في مواجهة جيش الاحتلال الفرنسي في العام الذي ولدت فيه، وما درى أنَّ ابنته هذه ستكون ايقونة الشعر العربي في القرن العشرين.
مجداً لك نازك
نازك التي تمتعك وتبكيك بشعرٍ كل ما فيه سايكولوجي خالص، رومانسية، حزن، يأس، وحدة، شكوى، همّ عراقي، عربي.. إنساني.
نازك أيقونة الشعر العربي التي أحبت العراق وأهله وماتت بعيدة عن وطن تغنت له وبه، يعيد لها الوطن زهوها في بغدادها وتقيم لها رئاسة الوزراء، احتفالاً يليق بعراق الشعر والشعراء.