المخدرات.. إرهاب صامت يستهدف الشباب
فجر محمد
تصوير: خضير العتابي
لم أصدق ما تناهى إلى أسماعي، عندما علمت أن هناك مدارس في البلاد يتعاطى طلابها المخدرات، والأمر لا يختلف كثيراً عن الجامعات، حتى وصل الأمر إلى أحدى الأقرباء، إذ اختفت عن الجمعات الأسرية والزيارات، بكلمات مرتبكة وبوجه يشوبه القلق والحذر بدأت فاتن ياسين روايتها عن إحدى قريباتها، وتقول: "كانت قريبتي من الفتيات اللواتي يتمتعن بحضور وابتسامة جميلة وقريبة من النفس، كنا نستمتع بوجودها بيننا لما تبعثه تلك الشابة من تفاؤل وأجواء لطيفة، ولكنها فجأة توارت عن الأنظار، وتبين لاحقاً أنها تتعالج من الإدمان".
كان والداها حذرين جداً عندما يجيبان على من يفتقد ابنتهما، ويسأل عنها وكأنهما خائفان من أمر ما أو يخفيان شيئاً خطيراً، بل وصل الأمر بهذه الأسرة إلى أنها أصبحت تمتنع تماماً عن الزيارات للأقارب والأصدقاء، وغالباً ما يسيطر الانزعاج والارتباك على الأب إذا ما باغته أحد الاقرباء بزيارة غير متوقعة، تستذكر فاتن ما حدث وتتابع قائلة: "بدأت تظهر على الأسرة تصرفات غريبة، حتى وصل الأمر بهم إلى العزلة بسبب ماحدث لابنتهم".
أصدقاء السوء
وتكمل فاتن روايتها قائلة: "بدأ الهمس بين الأقارب والأهل على مشكلة قريبتي، ما دفع والدها إلى الخروج عن صمته وإخبار الجميع بأن ابنته مريضة وهي تخضع للعلاج في الوقت الحاضر، ولم يحدد ماهو مرضها". ولكن عرف الأمر لاحقاً فهي مدمنة وتتعالج بشكل سري.
ولكن كيف وصلت إلى هذا الطريق، بحسب المقربين جداً من الأسرة تبين أن الفتاة ولسوء حظها قد وقعت في أيدي مجموعة من الصديقات اللواتي يتعاطين المخدرات، وبدافع الفضول جربت ما عرضنه عليها ثم وقعت في الشباك لاحقاً.
وتقول رئيسة منظمة نقاهة لمعالجة ادمان المخدرات ايناس كريم التي رفعت شعار عراق خالٍ من المخدرات، وأسست منظمتها عام 2017 وما زالت تعمل على المعالجة والتوعية بعيداً عن موضوع الاتجار بالمخدرات الذي هو من اختصاص الأجهزة الأمنية: "إن الهدف الأكبر هو توعية المجتمع من آفة المخدرات وتحديداً طلبة المدارس والجامعات وإفهامهم آثار ومخاطر المخدرات القانونية والاجتماعية والصحية، فضلاً عن العمل على متابعة حالات الإدمان التي تعالج داخل المستشفيات الحكومية، ومحاولة زرع ثقافة العلاج حتى وإن أخطـأ الشخص فبمقدوره أن يتعالج، بعيداً عن السجن والموت واختيار طريق التشافي والخلاص من الإدمان".
حرب مستمرة
في مؤتمر بغداد الدولي الأول لمكافحة المخدرات الذي عقد مؤخراً، شدد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على ضرورة التكاتف مع الجهود المبذولة من قبل الأجهزة المختصة التي تحارب آفة المخدرات، وعدم التهاون مع هذا الخطر الذي يهدد المجتمع العراقي ولم يخف السوداني خطورة هذه الحرب وتعقيداتها، كما شرعت الحكومة العراقية بإنشاء مصحّات خاصة لعلاج ضحايا الإدمان والمخدرات، يتوفر فيها الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي لهم، كما أكد السوداني أن العراق شرّع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، الذي يراه المختصون نقلة نوعية على مستوى تحديد الأهداف والآليات والعقوبات، فضلاً عن تشكيل الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، ومديرية شؤون المخدّرات في وزارة الداخلية، بالتعاون مع وزارتي العمل والصحة.
علاج المرضى
وفي تصريح للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور سيف البدر لـ (واع) بين من خلاله أن مدمني المخدرات يتم التعامل معهم كمرضى ويقدم لهم العلاج المناسب، فضلاً عن بذل جميع الجهود الوطنية من أجل الخلاص من هذه الآفة الخطيرة، مبيناً أن العلاج يتم في مراكز صحية متخصصة، كما أن اللجنة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات المؤلفة من وزير الصحة وعدد من الوزارات الأخرى، مستمرة بمساعيها وجهودها للقضاء على هذه المشكلة الخطيرة.
كما لفت البدر إلى أن هناك خطة لتوسيع عمل مراكز معالجة وتأهيل مدمني ومتعاطي المخدرات، بالتزامن مع الخطة التي وضعتها الجهات الحكومية.
بينما تأتي مخاوف منظمة الصحة العالمية (المكتب الإقليمي للشرق الأوسط) من ارتباط تعاطي المخدرات، بامكانية انتشار مرض خطير جداً وهو نقص المناعة المكتسب (الايدز)، لذا تسعى إلى التثقيف والتوعية، وحث منظمات المجتمع المدني على المشاركة بهذه الأنشطة ووضع الخطط والبرامج لمحاربة المخدرات ومنع انتشارها في المجتمع.
أعمال فنية
ولأن المخدرات أصبحت ذات خطورة عالية، لذا يجب التثقيف بمخاطرها ومشكلاتها الكبيرة بطرق وأساليب متنوعة ولهذا قامت منظمة (نقاهة) بالقيام بورش وندوات تهدف إلى تثقيف المجتمع، والقيام بأعمال فنية من أغانٍ ومسلسلات وأفلام تناقش قضية المخدرات بمشاركة فنانين ومطربين، ومن تلك الأعمال الجديدة استغلال فن الراب في مناقشة هذا الموضوع الخطير الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالمجتمع، وهو أول عمل فني من نوعه في البلاد.
قد لا يعرف الكثيرون أن القانون العراقي لا يحاسب المدمن، إذا ما توجه إلى العلاج وهذه المادة القانونية تكاد أن تغيب عن أذهان جميع المدمنين، لذا من الضروري نشرها بين أفراد المجتمع كي يلجأ المدمن إلى المستشفى ويتشافى من الإدمان.
وتعتقد ايناس كريم أن المخدرات ومحاولة نشرها والترويج لها بين أفراد المجتمع، أشبه بالإرهاب الصامت الذي يشبه داعش وكورونا، بل هناك من يرى أن آفة المخدرات أشبه بالجائحة ومن الضروري تكثيف وتكاتف الجهود في سبيل الخلاص منها، كونها تستهدف الشباب العراقي وتحاول تدمير هذه البنية التحتية، لذا تناشد ايناس كريم أفراد المجتمع للتعاون مع الأجهزة الأمنية من أجل القضاء على هذه الآفة، وتوعية وتثقيف الجميع وعلى وجه الخصوص فئة المراهقين، لأنهم الأكثر استهدافاً وعرضة لهذه الآفة المدمرة.
بطالة وفقر
يرجح المختصون لجوء العديد ممن فقدوا وظائفهم، أو لم يحصلوا على عمل مناسب إلى المخدرات والمواد المسكرة، ويرى الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور فالح الزبيدي أن هؤلاء قد يجدون في تلك المواد المخدرة، مهرباً وملاذاً لهم من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بهم، ويرجع الزبيدي معدلات ارتفاع الجرائم في المجتمع إلى الزيادة الحاصلة في التعاطي، ويتهم بعض الصيدليات بالترويج لحبوب وعقاقير مخدرة ما يستدعي التدخل السريع ومراقبتها ومحاسبتها، لأن كل تلك العوامل من شأنها هدم المجتمع والخطورة، تكمن عندما يكون المراهق هو المستهدف، ومن الملاحظ انتشار المحاكاة في المجتمع أي تقليد المجتمعات الأخرى، لذا يقوم المراهق بالتوجه إلى تصرفات وسلوكيات مضرة بالصحة منها تدخين الأركيلة واللجوء إلى المخدرات، وتقليد التصرفات التي يقوم بها زملاؤه، ومن المهم أيضاً تفعيل القوانين الرادعة لمروجي المخدرات وإيقاف تغلغلهم في المجتمع.
كما ينوه الزبيدي إلى مسألة أخرى مهمة وهي السيطرة على الاقتصاد الخفي وغالباً ما يكون أصحابه من تجار المخدرات، فهم لا يودعون أموالهم الطائلة في المصارف خوفاً من الملاحقة لذا يحتفظون بها في أماكن خاصة بهم، ويوضح الزبيدي أن القضاء على المخدرات ومروجيها يحتاج إلى تكاتف الجهود، فضلاً عن تفعيل القطاع الخاص والمصانع والمعامل كي تستقطب الشباب وتبعدهم عن هذه الآفة الخطيرة، فهم عماد المجتمع وبنيته الأساسية.