شباب عراقيون.. أمل بمستقبل أفضل وأكثر سعادة

بانوراما 2023/05/28
...

 ستيفاني جلينسكي

 ترجمة: ليندا أدور

لم تكن الحياة سهلة لدى جيل كامل من الشباب العراقي الذي نشأ وهو لا يعرف سوى الحرب، ففي عموم أرجاء بغداد، التي دبت الحياة من جديد في أسواقها وشوارعها الملونة والمزدحمة ومقاهيها التي تمتلئ أجواؤها برائحة الهيل العبقة، يكافح العديد من شبابها ومراهقيها لتحقيق طموحاتهم التي غالبا ما تواجه بالتحديات.

عشرون عاما مضت على الاجتياح الأميركي للعراق والاطاحة بنظام صدام، وما أعقبه من سنوات العنف والهجمات الارهابية المتكررة التي شنتها "القاعدة" حتى ظهور عصابات "داعش" الارهابية، والتي أسفرت جميعها عن مقتل نحو 300 ألف مدني وتدمير أجزاء كبيرة من البلاد. 


ومع ذلك، يبقى وجه بغداد دائم التغيير، فجدرانها الخرسانية تتهاوى، لتبزغ مساحات عمل مشتركة جديدة، وضفاف دجلتها يعاد تطويرها، والبنيان فيها يشهد إزدهارا، فقد حول الشباب جدرانها الرمادية إلى جداريات ملونة، ومبانيها المتروكة والفارغة إلى مطاعم، والآمال معلقة على هذا الجيل من الشباب ممن هم في مقتبل العشرينيات من العمر.

بينهم طلاب ومدربو رقص الباليه وفنانون ومبتورو الاطراف، جراء سنوات من العنف الذي كان موجودا، ورجال وأصحاب أعمال، ولد الكثير منهم اثناء الحرب، هم الآن متحيرون بين خيارين: 


مفترق طرق

"يرغب الكثير من أبناء جيلي إما بمغادرة العراق والبدء من جديد في مكان آخر"، تقول أنوار أحمد (23 عاما)، أو بالبقاء هنا للاستثمار وإعادة البناء والمضي بالبلاد نحو الأمام"، تضيف أنوار: "شخصيا، أنا أومن بأن بغداد بحاجة لي، وأنا بحاجة اليها كذلك، حتى وإن كانت الأمور ليست سهلة على الدوام"، مشيرة إلى بغداد العاصمة، ذات الثمانية ملايين نسمة وتقول: "من هنا يبدأ ا

لتغيير".

وفقا لبيانات البنك الدولي، أكثر من نصف سكان العراق البالغ عددهم 42 مليون شخص، هم دون سن 25 عاما، ما يعني بأنه واحد من أصغر شعوب العالم سناً، يملأ الطموح والقيادة شبابه، لكن وبنفس القدر، هناك شعور بفقدان الأمل واليأس، اذ بلغت معدلات البطالة في العراق نحو 14 بالمئة، وما رافق ذلك من تفشي للفساد، وانتشار العنف ضد المرأة.

مع ذلك، ربما يكون جيل الشباب في بغداد أكثر اصرارا من ذي قبل، تتحدث أحمد، بعد أن أنهت دروس الإيقاع التي تتلقاها في أوقات الفراغ: "نحن الشباب، من يحدد مستقبل بغداد والعراق"، هي تفعل القليل من كل شيء، فهي فنانة وموسيقية، لكن الأهم من ذلك كله، هي ناشطة بيئية بداوم كامل لدى إحدى مجموعات المساعدة المحلية للحفاظ على نهر دجلة، أهم مصادر المياه في العراق. "

جيلنا يمتلك معرفة واعية جدا عندما يتعلق الأمر بقضايا التغير المناخي، كوننا نعيش في واحد من أكثر بلدان العالم تضررا من جرائه"، وتضيف أنوار: "حالات الجفاف المتكررة ونقص المياه والعواصف الترابية، جميعها، وللأسف، تشكل مستقبلنا".


الشباب والمستقبل

لطالما كانت أسرة أنوار داعمة لها ولطموحاتها، لكن ذلك، لا يعني بالضرورة بأنه أمر مسلّم به، لدى الشابات، على وجه الخصوص. تقول ليزان سلام، (26 عاما)، أول مدربة رقص باليه مجازة في بغداد، بأن: "لدى الكثير من العوائل، وإلى حد ما المجتمع ككل، معايير محافظة، وقد يشكل ذلك صعوبة لدى الفتيات"، مشيرة إلى أنه ورغم دعم أسرتها لها، تعرضت ولسنوات لمضايقات وهجمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عد الدخلاء على الانترنت، عملها، بأنه "بذيء ومحرّم". مقرة بأن الأمور ليست بهذه السهولة، وقد أصبح لديها اليوم 45 طالبا تدرّسهم في بغداد، تقول: "أنا مشوشة ومتحيرة، فجزء مني يرغب بالبقاء والاستثمار في بغداد، والجزء الآخر يريد الرحيل"، مضيفة "لن يمكنني رؤية نفسي كجزء من هذا المجتمع ما لم يطاله التغيير، لكن ربما عليّ البقاء هنا للقيام بدوري والمساهمة في إحداث ذلك 

التغيير".

أما مصطفى رحمن (26 عاما) فيرى بأن التغيير جاء بطريقة غير متوقعة وغير مرغوب بها، فقد كان بالكاد يبلغ العاشرة من العمر عندما غامر هو ووالدته بالذهاب إلى سوق محلي في بلدته، أبو غريب، التي تبعد عن العاصمة مسافة نصف ساعة 

بالسيارة. 

يستذكر رحمن تلك اللحظات عندما أقدم انتحاري على تفجير نفسه تسبب بقتل عشرات المدنيين، نجت والدته لكن ساقي رحمن تمزقت تماما، ليعيش بعدها سنوات من الألم والقنوط، حتى العام الماضي، عندما تمكن من تجاوز أزمته والمضي قدما، بعد انضمامه لفريق كرة قدم لمبتوري الأطراف، حيث يتلقى تدريباته لثلاث مرات في الاسبوع، أملا بالالتحاق بالمنتخب الوطني 

العراقي. "

أدركت شيئا واحدا"، يقول رحمن وهو يقف على أرض الملعب ليأخذ استراحة أثناء التدريب تحت أشعة شمس حارقة: "لا يمكن تجاهل ندوب وآثار الحرب المنتشرة في كل مكان، لكن علينا التعايش معها والخروج بأفضل ما فيها، علينا المضي إلى الأمام".


*صحيفة الغارديان البريطانية