السودان وأخطاء الحرب المفتوحة

قضايا عربية ودولية 2023/05/29
...

علي حسن الفواز

البحث عن الهدوء في «الجبهة السودانية» يشبه البحث عن الأبرة في كومة القشِّ، فالمتحاربون باتوا يفرضون سيطرتهم على الشارع والحقل والمؤسسة، حتى صارت الحرب بينهم وكأنها توزيع لهذه الجغرافيا الستراتيجية، ولم تنفع معهم «الهدنات» والتدخلات الخارجية لإيقاف نزيف الدم السوداني، وإلى تيسير وجود الممرات لتقديم المساعدات الإنسانية للمحاصرين في العاصمة، وفي غيرها.

الحديث عن الهدنة، وعن وقف إطلاق النار يحتاج إلى إرادة سياسية، وإلى معرفة الأسباب العميقة التي أدّت إلى تقويض التحالفات في عمل مؤسسة السيادة، والذهاب إلى خيار الحرب بديلاً، لفرض السيطرة، ولإعادة السودان إلى مرحلة معقدة اختلط فيها الصراع القبلي بالصراع السياسي والعسكري.

هذا الخلط سيدفع إلى تدخل خارجي، وإلى إخضاع السودان إلى رقابة أفريقية، أو حتى دولية، وهو ما أشار إلى خطورته رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان برفضه تدويل قضية السودان، داعيا إلى إنهاء تجميد عضوية بلاده في منظمة الاتحاد الأفريقي، مقابل ذلك فإن البحث عن حلٍ واقعي للعنف العسكري سيبقى مؤجلا، لأنه يتطلب جهودا استثنائية، وضغوطا أكبر، لإقناع الطرفين بالتخلي عن رهانات الحسم العسكري، والالتزام بشروط الهدنة، وصولا إلى اتفاق يضمن نجاح المحادثات الأوسع، وبرعاية 

دولية وإقليمية.

الاتهامات المتبادلة بينهما تعكس مدى صعوبة المشهد العسكري، وهو ما يعني الصعوبة في تأمين الأجواء السياسية المناسبة للحوار، وللحدّ من آثار العنف المستمر، الذي أدّى إلى مقتل أكثر من 730 مدنياً، ونزوح أكثر من مليون ونصف مليون سوداني عن ديارهم، وإلى انهيار منظومات الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه وشبكات الاتصال، فضلاً عن خروج الكثير من المؤسسات الصحية عن الخدمة، وربما تحوّل البعض منها إلى ثكنات عسكرية.

كلّ هذا سيدفع إلى مزيد من التدهور، وإلى توسيع دائرة الصراع، وامتداده إلى مناطق أخرى، وصولا إلى الدخول في مرحلة الاستنزاف، والحرب الأهلية، وهو ما بات واضحاً بعد دعوة الجيش السوداني لقوات الاحتياط للتعبئة الجزئية، ودعوة رجال الشرطة المتقاعدين للخدمة، إذ تعني هذه الدعوات إعلاناً لـ”النفير” العام، وإلى وضع السودان تحت سطوة الحرب المفتوحة وأخطائها الكارثية.