بدور العامري
تصوير: صباح الربيعي
ذهلت من منظر والديه اللذين لم يكترثا لما قام به طفلهما امام أعينهم من إعدام لعشرات الزهور البريئة ذات اللون الأصفر، هل هو قدرها أنها وجدت في حديقة عامة، ليسلط عليها طفل جاهل لمعنى الجمال، وأبوان وصل بهما حد الاستهتار والضحك لمشهد قتل الحياة؟.
تخريب
بات تخريب الأماكن الترفيهية العامة والعبث بما فيها من مزروعات وألعاب وموجودات أخرى، من قبل بعض ضعاف النفوس، من الأمور التي تثير غضب واستياء المواطن والمسؤول على حد سواء، باعتباره المرافق تشكل واجهة حضارية للمدينة، ومتنفسًا بيئيًا مناسبا للعائلة العراقية، يمكن لها أن توفر الاستمتاع بأجواء طبيعية نقيَّة، والتخفيف من أعباء يومٍ طويلٍ لروتين العمل والاشغال المنزلية. وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد رصدت عددًا من الصور والمقاطع الفيديويَّة، لعمليات تخريب وتجاوز على أكثر من موقع، كان آخرها كورنيش أبي نواس، الذي تم تطويره مؤخرا، ومن مختلف الفئات العمرية وليس الأطفال فقط، اذ رصد مقطع شبابًا يعبثون بالانارة وصنابير المياه، ومقطع آخر لسيدة في عمر الثلاثين تقوم بالعبث بإحدى الألعاب وتكسير المساند البلاستيكية فيها، بالمقابل وجدت تلك المشاهد موجة رفض واسعة من قبل المواطنين من مختلف شرائح المجتمع، لمثل هكذا ممارسات لا تمت للأخلاق والشعور بالمسؤولية على المال العام بصلة، الشيء ذاته الذي تلمسته عند مشاهدتي لعائلة الطفل، عندما أتلف أزهار الحديقة أمام مرأى عيونها ولم تتحرك ساكنا، ليتبادر الى ذهني عدد من الأسئلة لماذا يحدث هذا؟ هل فقد هؤلاء الشعور بالمسؤولية والحرص على هذه الممتلكات، وهل من المنطقي وضع مراقب على كل مواطن يرتاد الأماكن العامة، أم أنه الجهل بأهمية وجود مثل هذه النباتات وتأثيرها في البيئة وصحتنا بالمقام الأخير؟.
التنشئة الاجتماعيَّة
الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي يعطي للأسرة والتنشئة الاجتماعية الأولى دورا أساسيا في بلورة شخصية الأفراد، وظهور صفاتهم وتعاملهم الاجتماعي في ما بعد، باعتباره العائلة هي البيئة الأولى، التي يكتسب منها الطفل صفاته وتعاليمه من والديه وذويه، كأن يقال له هذا صحيح وهذا خطأ، هذا محبب وهذا قبيح وغيرها، وتابع الخفاجي كما يأتي دور الروضة والمدرسة مكملا لما بدأت به الأسرة، ويعتقد علماء الاجتماع أن دور المؤسسة التربوية، يتمتع بدرجة من الأهمية والحساسية، لأن الطفل يكون قد وصل لمرحلة تتمتع باستقلالية معينة وأكثر ادراكًا لما حوله، من جانبها تحدثت المهندسة لمى الحسيني حول أهمية تقاسم مسؤولية الحفاظ على الحدائق العامة بين المواطن والجهات الحكومية، مشددة على أهمية وجود قوانين فعّالة ورادعة بحق من يتجاوز على الحدائق العامة والجزرات الوسطية، وترى الحسيني أن مهمة الصيانة والإدامة تقع على عاتق الكوادر العاملة في بلديات العاصمة، كما تشير إلى عدم إهمال ما يتعرض للاستهلاك لفترات طويلة، كي لا يتسبب بالتدمير الكامل لتلك المنشأة من ألعاب واشجار، اما المواطن أو الفرد المستفيد من هذه المرافق فعليه تقع مسؤولية الحفاظ على نظافة المكان والاستخدام الأمثل، لتلك المرافق وعدم اتاحة الفرصة لمن تسول له نفسه بتخريب هذه المرافق، التي وجدت لراحة الناس وأطفالهم.
الآداب العامة
مدير العلاقات والاعلام في أمانة بغداد محمد الربيعي تحدث عن جهود الأمانة في هذا المجال قائلا "يعتبر موضوع المحافظة على المرافق العامة والحدائق الترفيهية من الأمور، التي تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمام المعنيين، لذلك عملت الأمانة مؤخرا على إيجاد ستراتيجية الذوق العام، التي تحتوي على تفاصيل كثيرة جدا، من بينها الغوص في موضوعة الآداب العامة وهو أحد أبوابها الرئيسة، اذ يحتوي هذا الباب على جميع الأمور المتعلقة بالآداب العامة وقواعد احترام الممتلكات العامة والتعامل معها"، وأوضح الربيعي أن "هذه الستراتيجية وضعتها لجنة متخصصة ومتكونة من كفاءات وشخصيات ومؤسسات ثقافية وفنية ومجتمع مدني، حيث ستكون بمثابة منهج وثقافة نعمل على ترسيخها لدى الأجيال القادمة، بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة مثل المدارس والمؤسسات الدينية والاجتماعية والإعلامية، وأشار الربيعي على سبيل المثال إلى أنه تتضمن مفاهيم الذوق العام كيفية التعامل مع الشجرة وأرضية المتنزه، والحفاظ على النظافة وعدم رمي الأزبال على الأرض، بل حتى كيفية التعامل مع الأثاث الموجود في الحدائق العامة، مثل المقاعد والكراسي وحاويات النفايات وانابيب المياه، كذلك التعامل في الشارع وداخل حافلات النقل العام وغيرها.
مبادرات
للعمل التطوعي والمبادرات الفردية دورٌ فعالٌ في مجال زيادة الوعي لدى الأفراد بأهمية الحفاظ على المرافق الترفيهية وتشجير الأماكن العامة، لما تعنيه من متنفس بيئي نظيف وواجهة حضارية للمجتمع عامة.
الناشط الشاب عيسى أحمد تحدث عن حملات التنظيف التطوعية، التي يقوم بها هو وعدد من الشباب والشابات، بين فترة وأخرى لتنظيف ضفاف الأنهار والبحيرات في مختلف محافظات العراق، حبا لوطنهم وحماية للبيئة والمناخ، كما يجد الشاب عيسى أن القيام بمثل هكذا أعمال تعد تشجيعا للآخرين والجهات الخدمية في أهمية الحفاظ على هذه المرافق الترفيهية، كذلك الحال بالنسبة للحاج أبي حسين، الذي أخذ على عاتقه مهمة سقي وتقليم الأشجار المتواجدة على طول الشارع، الذي يوجد في منزله، مؤكدا سعادته بما يقوم به من عمل، كونه يحب المزروعات ويعتبرها صدقة جارية.