ألمانيا تستعد لاحتمالات إعادة انتخاب ترامب

بانوراما 2023/05/31
...

 ماركوس بيكر، مارينا كورمباكي، فيت ميديك وآخرون

 ترجمة: مي اسماعيل

تستعد برلين لمواجهة احتمال فوز "دونالد ترامب" على "جو بايدن" بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة. وفي هذه الحالة ستكون النتيجة غالبا كارثية على أوكرانيا والناتو وأزمة المناخ التي تلوح في الافق. بدأ الدبلوماسيون الألمان بفتح خطوط اتصال مع معسكر الرئيس السابق لتفادي التعرض للصدمة كما كان الحال في العام 2016. يبدو أن الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة، الذي جاء أسلافه من ألمانيا كان لديه هوس بالبلد، ولكن ليس ايجابيا على ما يبدو.. إذ غالبا ما ظهر وكأنه ينظر إلى ألمانيا أعظم أعداء أميركا، على الرغم من تماشيه مع زعيم كوريا الشمالية "كيم جونغ أون" وآخرين من أمثاله.

وعلى الأقل كانت تلك الروابط أفضل من علاقته مع المستشارة الألمانية السابقة "أنجيلا ميركل". 

فقد أعلن ترامب في أيار 2017 خلال اجتماع مع قادة الاتحاد الأوروبي في بلجيكا، حيث كان الفائض التجاري الألماني أحد مواضيع النقاش: "الألمان سيئون.. سيئون جدا.. انظروا إلى ملايين السيارات التي يبيعونها في الولايات المتحدة.. إنه أمر فظيع. سنوقف هذا".

وأعلن ترامب مرارا وتكرارا للعالم رأيه عن الألمان أنهم: أمة من الطفيليات.. "استغلتنا لسنوات عديدة..". يعد ترامب ألمانيا أيضا دولة لا يمكن الاعتماد عليها، إن لم تكن تحت سيطرة قوى خارجية، إذ شجب تلك الدولة قائلا في تموز 2018: "ألمانيا تحت سيطرة روسيا كليا". 

وأضاف لاحقا: "لذا، من المفترض ان نحميكم من روسيا وأنتم تدفعون مليارات الدولارات لروسيا".  


خصوم مفضلون

لم يكن ترامب، رغم ميله إلى الخطاب المنافي للعقل، مخطئا دائما، إذ كان يتعرف أحيانا على النفاق الألماني أو التناقضات قبل أن يفعل الألمان أنفسهم.

 ومع ذلك ابتهجت برلين حينما خسر ترامب أمام منافسه الديمقراطي بايدن خريف عام 2020، وكانت الخلاصة في كل من برلين وبروكسل أن العلاقات بين طرفي الأطلسي لم تكن لتتحمل فترة رئاسية ثانية لترامب.. لكن هذا بالضبط ما يمكن أن يحدث..   

قبل بضعة أشهر أعلن ترامب عزمه الترشح لفترة رئاسية ثانية، متقدما في استطلاعات الرأي بفارق كبير على المنافسين المحتملين من حزبه، بمن فيهم حاكم فلوريدا "رون دي سانتيس"، ويُعد من أصحاب الفرص الاكبر للتغلب على ترامب في الانتخابات الأولية. 

ثم بات من المؤكد أن جو بايدن سيكون منافس ترامب ثانية، الذي سيكون في عامه الثاني والثمانين اذا فاز بفترة ثانية، والسادسة والثمانين عند نهايتها. قد لا يبدو ترامب (76 عاما الآن) أكثر جدية بالمقارنة، لكنه أكثر ديناميكية بالتأكيد.

وكان السباق الأخير بين الرجلين مثيرا للتوتر. 

قد تكون فترة رئاسية ثانية فعليا نتيجة واقعية لترامب، وعلى الأقل بات السياسيون المتطلعون قدما يتحسبون لسيناريوهات محتملة، خاصة في بروكسل وبرلين، حيث مقر خصوم ترامب المفضلين: حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وألمانيا. 


الاحتياطات اللازمة

"ميشيل لينك" هو منسق الحكومة الألمانية للتعاون عبر الأطلسي، واذا أُعيد انتخاب ترامب سيكون عمله أكثر صعوبة، كما يقول لينك (عضو الحزب الديمقراطي الحر- FDP): "سيشكل ترامب تحديا أكبر بالنسبة لألمانيا وأوروبا والعالم في فترته الثانية عما كان في الأولى.

وسيحكم على الارجح بطريقة غير مقيدة وغير متوقعة ومتحدية". 

أصبح الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة عام 2024 منذ الآن جزءاً مهما من عمل لينك، وهو يخطط للسفر إلى الولايات المتحدة بكثرة في المستقبل القريب، قائلا: "في نهاية الامر يكون ما نعوّل عليه الاتصالات الثابتة مع الفروع التنفيذية والتشريعية للحكومة. 

ويمكن أن يكون للنواب المنفردين تأثير حاسم على مواعيد وكيفية اقرار القوانين. 

واذا كان التعامل سيصير صعبا، يمكن لهؤلاء أن يكونوا حلفاء هامين". 

ترى "اجنيسزكا بروجير" (نائبة رئيس مجموعة حزب الخضر في البرلمان الألماني) ايضا إن الاستعدادات لا بد أن تسبق وصول ترامب إلى الفترة الرئاسية الثانية، وان على الاوروبيين أن يكونوا أكثر اعتمادا على الذات وأقل ضعفا، بغض النظر عمن هو الرئيس الحالي للولايات المتحدة قائلة: "رغم أننا في الاتحاد الأوروبي أصبحنا أفضل في حقول التكنولوجيا والاقتصاد والأمن فيما يتعلق بأزمات هذا العالم، لكننا ما زلنا في بطءٍ شديد". 

كما تقول ان على ألمانيا والاتحاد الأوروبي توسيع آفاقهم وتوسيع الشراكات والتحالفات.. "خاصة مع دول الجنوب". 


كارثة على حماية المناخ

يعتقد البعض في الحكومة الألمانية ان عودة ترامب إلى الرئاسة ستكون بمثابة سيناريو كارثي لحماية المناخ. 

ويستذكر الخُضُر خصوصا وبجزع فترته الرئاسية الأولى، حينما سحب مشاركة الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ. 

كما تراجع عما يفوق المئة سياسة لحماية البيئة، وجعل من الأسهل على الشركات الحفر لاستخراج النفط والغاز من المحيط، وسمح بمرور مشروع خط أنابيب مثير للجدل. 

والأهم من ذلك أنه أضعف "وكالة حماية البيئة (EPA)" بوضع أشخاص على رأسها قللوا من أهمية تغير المناخ. 

يرى "لوكاس كوولر" (نائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر والمسؤول عن سياسة حماية المناخ فيه) أن الولايات المتحدة تحت حكم ترامب.. "سوف تنسحب مباشرة على الأغلب من تمويل المناخ الدولي"، وسيكون من الصعب التقدم لإنشاء صندوق للتعويض عن الأضرار المناخية دون تنفيذ الالتزامات الصادرة عن قمة المناخ العالمية الأخيرة. وسيكون مستقبل النظام بأكمله موضع تساؤل بدون تمويل واشنطن. 


تهديد الحرب التجارية

يكمن أخطر صراع لألمانيا ضمن العلاقات عبر الأطلسي في مجال السياسة التجارية. إذ أطلق ترامب (عام 2018، خلال السنة الثانية من حكمه) حربا تجارية، وأعلن ان استيرادات الحديد والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي تُشكّل تهديدا للأمن القومي، وفرض عليها تعريفة عقابية بنسبة 25 بالمئة. 

ورد الاتحاد الأوروبي بتعريفات من جانبه على المنتجات الأميركية التقليدية (مثل الجينز والمشرويات الكحولية والدراجات النارية وزبدة الفول السوداني). 

لا عجب في أن لغة الحوار بين واشنطن والمفوضية الاوروبية والمسؤول التنفيذي للاتحاد الأوروبي تحسنت بصورة دراماتيكية حينما تسلم الرئيس بايدن موقعه. لكن لم يحدث تغير يذكر من حيث الجوهر، إذ انتهج بايدن (مثل ترامب) سياسة "أمريكا أولاً". ومن المرجح ان يكون رد فعل الأسواق المالية الدولية التصرف بحذر شديد اذا أُعيد انتخاب ترامب. فتلك الأسواق ماهرة جدا في التقاط "قلة الكفاءة"، وهي ما أظهره ترامب خلال فترته الرئاسية الوحيدة حتى الآن. 


أوكرانيا قد تضيع

قد تعني عودة ترامب إلى البيت الأبيض ايضا كارثة بالنسبة لأوكرانيا، إذ كشف ترامب مجددا في الاسابيع الماضية وخلال عدة مقابلات عدم اكتراثه بانتهاك روسيا للقانون الدولي وافتقاره إلى التعاطف مع معاناة الأوكرانيين. وادعى أنه في حال انتخابه سيتمكن من إنهاء الحرب خلال "24 ساعة"، ولو تعلق الأمر به سيُسمح لروسيا "بالسيطرة على" أجزاء من اوكرانيا. ومضى ترامب قائلا: أنه ستكون هناك "مفاوضات بسيطة جدا"، لأنه يتفق جيدا مع فلاديمير بوتين. يكشف قرار مرره مجلس النواب الأمريكي مؤخرا عن طريق مجموعة من مؤيدي ترامب قبيل الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لاوكرانيا منظورا مستقبليا محتملا لسياسة ترامب تجاه أوكرانيا. عنوان القرار: "ارهاق أوكرانيا"، وفيه يدعو أحد عشر نائبا جمهوريا لانهاء الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا. يُظهِر الاقتراح بوضوح أنه يمكن تصور سياسة أميركية مختلفة تماما تجاه أوكرانيا. 


المقاربة الدبلوماسية نحو معسكر ترامب

ستؤدي فترة رئاسية ثانية لترامب إلى تغيرات في عمل وزيرة الخارجية الألمانية " أنالينا بيربوك"، وهي من حزب الخُضُر. تحتفظ بيربوك بعلاقة ودية مع نظيرها الأميركي "أنتوني بلينكين"، ولعب كلاهما دورا للحفاظ على توافق الغرب مع العقوبات ضد روسيا. ولو فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ستفقد بيربوك أكثر من مجرد شريك موثوق.. وسيضعف نهج السياسة الخارجية المستند على القيم الذي سعت إليه، ناهيك عن منظورها لسياسة خارجية نسوية وكلاهما سيكونان غالبا مبدئين غريبين تماما بالنسبة لترامب. تستعد وزارة الخارجية ببرلين لمواجهة هذا الاحتمال، وستكون أولوية السياسة الألمانية إقامة علاقات مع جمهوريين أميركان، وهذا ليس بالأمر السهل، نظرا لنمط العلاقات السابقة المتراخي أو المفقود تماما. 

يسعى "أندرياس ميكايليس" الذي سيتولى منصب السفير الجديد لألمانيا في واشنطن هذا الخريف لإقامة اتصالات مع اشخاص بارزين من معسكر ترامب، استعدادا لسيناريو أسوأ حالة. وهذا درس تعلمه الألمان بعد فوز ترامب رئيسا عام 2016، إذ كانت الحكومة الألمانية تعوّل حينها على فوز "هيلاري كلينتون"، ولم تسعى لإقامة علاقات مع فريق ترامب حتى فات الأوان والفكرة هنا تلافي وقوع ذلك مجددا. 

لا يريد المستشار الألماني شولتز أن يشهد تحولا في العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، وهي الآن الأفضل منذ سنوات. 

كما إن عودة ترامب رئيسا قد تُعطي شولتز شخصيا بعض المكاسب، كما كان الحال عند حقبة المستشارة السابقة ميركل، التي احتلت موقع المدافعة عن العالم الحر فقط عند وجود ترامب المُدمر لذلك العالم. ويرى المقربون من شولتز انه قد يُقدم نفسه خصما لترامب بنفس الهدف اذا اقتضت الضرورة.  


موقع "دير شبيغل الألماني"