المنجمون والانتخابات التركيَّة

بانوراما 2023/06/01
...

 غولسن هارمان

 ترجمة: أنيس الصفار    

في الاسابيع التي سبقت أشد انتخابات تركيا تنافساً طيلة عقدين من الزمن، كان هنالك قسم من الناخبين المؤهلين، البالغ تعدادهم 64 مليوناً، لم يعبؤوا باستطلاعات الرأي لاستقراء النتائج، بل التفتوا المنجمين طلباً للجواب.

قبل اسابيع قليلة مضت، كان المنجّم الشهير "دنسر غونر" منكباً بكل عناية على دراسة مخطط  ميلاد الجمهورية التركية (التي تأسست في 29 تشرين الأول 1923)، ومعه وثائق ميلاد مرشحي الرئاسة. بعد ذلك أعلن النتيجة في مقطع فيديو على موقع يوتيوب بكلام واضح قاطع: أن مرشح المعارضة المتقدّم كمال كلتشدار أوغلو هو الذي سيفوز في انتخابات الرئاسة، لينهي بذلك سلطة الرئيس رجب طيب اردوغان التي إمتدت عشرين عاماً.

                                        

أملاً برؤية أوضح

ابتهج أنصار كلتشدار أوغلو بهذه الأنباء، ولكن غونر ليس سوى واحد من طائفة كبيرة من المنجمين ذائعي الصيت، الذين يبوحون بتنبؤاتهم في تركيا. يحظى هؤلاء المنجمون بمتابعة كبيرة على شبكة التواصل الاجتماعي، لأنهم يقدمون للناس آمالاً برؤية أوضح وسط أجواء مفعمة بقلق الانتخابات، وقضم الأظافر وأعباء أزمة المعيشة التي انهكتهم، علاوة على تبعات الزلزال المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا في شباط الماضي وقلب حياة ملايين غيرهم رأساً على 

عقب.

"ميرال جوفين" هي الأخرى منجمة مشهورة عرفت بدقة توقعاتها بخصوص البطولة الوطنية لكرة القدم، وقد تنبأت بفوز انتخابي لأردوغان، حيث قالت إنه سوف يحكم تركيا "إلى يوم مماته وحتى من بعد ذلك"، على حد تعبيرها.

التنبؤ بنتائج الانتخابات جزء من الروحانيات التي تشيع في المجتمع التركي، حيث يقرأ الناس مستقبلهم من فنجان القهوة المطحونة ويستشيرون العرافين قبل الإقدام على أي قرار مهم في حياتهم، أو يزورون المراقد المقدسة لرجال صالحين من الزمن الغابر، كي يطلبوا منهم تحقيق 

تمنياتهم.

حتى كبار السياسيين يطلبون الإرشاد من الثريا، السيد كلتشدار أوغلو نفسه يعقد في معصمه الأيمن "مارتينتسا"، أو "شريط الأماني"، لكي يحله عندما تتحقق امنيته. وعندما سأله أحد مؤيديه في الشهر الماضي ما هي تلك الأمنية رد عليه: "إنها سر يعلمه الجميع".

تقول "فايزة أكينيردم"، وهي محاضرة في علم الاجتماع من جامعة بوغازيتشي في اسطنبول، إن التنجيم بلسم ملطف في بلد تسيطر عليه حكومة قوية جعلت حس التحكم بالشؤون الشخصية يتآكل لدى كثير من الناس.


مهرب من الشعور بالعجز

تقول السيدة أكينيردم : "قبضة الدولة في تركيا تحرم الفرد من احساسه بسلطته الذاتية، والاعتماد على التنجيم هو إحدى الوسائل، التي يستعين بها المرء لكي يصبر على فقدانه القدرة على التحكم بحياته، لاسيما في الأوقات العصيبة المضطربة".

يشير غونر، الذي يضم حسابه على موقع تويتر اكثر من 700 ألف متابع، الى العام 2018 حين بدأت العملة التركية تفقد قيمتها باعتباره نقطة البداية لموجة جديدة من الاهتمام بالتنجيم حينما بدأ الناس يفتشون عن مستشار مالي. 

في مقابلة معه قال غونر: "أخذ الناس يسألونني بشكل متزايد أين ينبغي أن يستثمروا مدخراتهم، وهل سيستمر سعر الصرف في مساره إلى أبعد من ذلك. بيد أنني كنت أحجم عن اعطائهم أجوبة محددة، لأن علم التنجيم المالي 

ليس مجال تخصصي أو ممارستي".

يحرص السيد غونر على انتقاء كلماته بعناية، لاسيّما عند الحديث في السياسة، لأن الاساءة إلى رئيس الجمهورية تعد فعلاً جنائياً في تركيا، حيث الإعلام الحر مكمم إلى حد كبير. 

فرغم توقعه الهزيمة لأردوغان حذر غونر المعارضة السياسية من تكرار أخطاء الحكومات التركية الائتلافية، التي لم تعمر طويلاً خلال أعوام التسعينيات، وهي حقبة تميّزت بالتشاحن السياسي والمشكلات الاقتصادية، لأن استقراءاته كانت توحي بأن نمطاً مماثلاً لتلك الحقبة، سوف يمر به البلد خلال السنتين 

المقبلتين.

الموسم السياسي يبقي غونر منشغلاً، لكن المنجم يقول إنه يبقى يتطلع إلى أسئلة ملحّة مختلفة بعد انتهاء الانتخابات. 

يقول: "أشعر بالاشتياق إلى من كانوا يسألــوننـي في الحب وعــن حيــاتهـم 

العاطفية." 


صحيفة نيويورك تايمز الأميركية