مشاهدات من كربلاء

الصفحة الاخيرة 2023/06/03
...

جواد علي كسار

آخر شهر شعبان الماضي كنت في كربلاء ثمّ عاودت زيارتها أوائل ذي القعدة الحالي، فرأيت تغيراً كبيراً قد طرأ على مدخل المدينة من جهة بغداد؛ تحديداً توسعة طريق المسيّب - كربلاء، وتطوير جانبيه والجزرة الوسطية، وشق الساحات وإحداث الحدائق الجديدة، مع لمسات ذوقية رفيعة على المدخل برمته، تتكاثف كلما اقتربنا أكثر من الدخول إلى المدينة، ما يبعث بالنشوة لدى زائر مدينة سيّد الشهداء، ويضاعف إحساسه النفسي بالاسترخاء والراحة، وهو يتّجه إلى زيارة الإمام الحسين. ليس هذا وحده، فقد قادتني مراجعة إلى حي غدير كربلاء، لاكتشاف تحولات أخرى في الجهة الغربية من المدينة، لم تكن أقلّ ألقاً أو جمالاً مما شاهدته في المدخل الشمالي، مضافاً إلى الأهمية الفائقة للمشاريع العمرانية في هذه الجهة، إذ ركزت من بينها على شارع بهي واسع وعريض إلى جوار الحزام الأخضر، قلت في وصفه لأصحابي في الجولة: وكأننا نسير في جادة باريسية!

لقد زادت من جمال هذه الطريق الواسعة يد العناية بالحزام الأخضر، إذ عادت إليه ترعاه بعد إهمال، وقد سايرت منه بضعة كيلومترات زادت من بهائها العناية، التي حظي بها هذا المشروع الأخضر، لا سيما بعد أن ميّزت فيه على عجل، ثلاثة مقاطع، الأول الأجمل بأشجاره الكبيرة الوارفة، وتوفر مقاعد الجلوس والراحة؛ والثاني المكوّن من شجر النخيل وقد تحوّلت إلى غابات؛ والثالث والأخير من جهة الصحراء، مكوّن من شجيرات أقل عمراً وارتفاعاً من سابقاتها، لكنها تنافسها بالنظارة والأبهة والحياة.  المعلَم الآخر في الجهة نفسها هو ما كان يطلق عليه المستشفى التركي سابقاً، ومستشفى الإمام الحسن الآن. فقد مررت بهذا المبنى في أوقات مضت، وقد كان خاوياً، تحيط به النفايات والأتربة والإهمال، ووحشة غياب الإنسان والعمران، بالإضافة إلى الطريق الترابي. أما الآن فقد انقلبت الصورة بالكامل وقد بات المستشفى الضخم يطل على طريق مبلطة واسعة، أحاطه التخطيط العمراني البهي، وهو يكتظ بالمراجعين.

أعرف طبيباً مختبرياً من الأرحام حدثني عن زيارة المئات من المراجعين يومياً (ربما وقع بالمبالغة حين ذكر رقم ألف مراجع) ممن يجري مختلف أنواع الاختبارات والتحليلات الطبية. من حكايا هذا المشفى، أن لي قريبا مسيس الصلة يحتاج إلى العلاج الطبيعي، ويمتنع عنه في العيادات الخارجية لارتفاع كلفته، والحمد الله أن إلحاحي عليه نجح في دفعه أخيراً، إلى الحصول على شيء من حقه كمواطن عراقي، من خلال جلسات العلاج المجاني في هذه المستشفى. 

أعرف تماماً أن توسعة المشاريع أفقياً غالباً ما تخالطه عوارض وآفات، مثل الرداءة في الأداء، والتضارب والتكرار، وأحياناً هدر المال، لكنها وغيرها آفات طبيعية أو شبه طبيعية في الحركة العمرانية، قد لا أبالغ بالقول أنها لا تعدّ شيئاً أمام الكسب النفسي والإنساني الأكبر، المتمثل بمواجهة ثقافة اليأس والإحباط.