الفقر.. آفة تحولات الخيبة

ريبورتاج 2023/06/04
...

   عباس رضا الموسوي

غالباً ما يكون الفقر المدخل الرئيس لجميع مشكلات الحياة، على عكس ما يكون عليه الثراء الذي يجلب العديد من منافذ الراحة، ولا أريد هنا أن أعطي للمال سطوة التحكم بأشياء تفوقه ثمناً كالضمير والموقف وغيرها من الثوابت، ولكني في الوقت نفسه أريد أن أسلط الضوء على أبرز المشكلات التي تسبب بها الفقر الاجتماعي، خصوصاً عندما تتسع رقعته وتستفحل آفته لتفتك بكل ما هو جميل، إذ تسبب الفقر بالعديد من حالات الطلاق وتفكك الأسر وأطاح برجال صلد ورفع من هم أوهن الرجال وساعد الفقر على نشر الجهل والأمراض وزاد من نسبة الظلم والحرمان ووسع من نطاق الجريمة وغيرها من مشكلات تتغذى على الفقر لتفتك بالمجتمعات فتك السموم القاتلة بالجسد السليم.
تحت خط الفقر
جميعنا نسمع هذه العبارة وبشكل يومي - تحت خط الفقر - ولكن أغلبنا لا يتوقف عندها ليتعرف على ما تعنيه من ويلات وعذابات ومشكلات يدفع ثمنها من يعيشون تحت ظلال هذه العبارة، لأنهم هم وحدهم الذين يكتوون بنارها ويتذوقون قهراً مرارتها ويتحملون ضرب سياطها دون غيرهم، لذا يقول الأستاذ في علم النفس علي كامل: إن الإحصائيات الرسمية التي تصنف مدينة ما بأنها باتت تحت خط الفقر تعني أن أغلب سكان هذه المدينة باتوا فقراء بكل مقاييس الفقر لذلك يتوجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لإخراجها من دائرة الفقر عبر تنفيذ مشاريع إغاثة عاجلة في مختلف المجالات ومنها الصحة والتعليم والمعيشة والإعمار وغيرها من خطوات تنموية، مشيراً إلى أن مثل هذه الخطوات الضرورية ما زالت خجولة في المحافظات التي صنفت بأنها محافظات فقيرة مقارنة بحاجتها ومنها محافظة الديوانية التي ما زال مواطنوها يرون أنها (مدينة منكوبة)، إذ شنوا تحت هذا العنوان العديد من الحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ منتصف العام الماضي في محاولة منهم للفت انتباه الحكومة ومؤسساتها، لافتاً إلى ضرورة مواجهة الفقر بأسلحة تتلاءم مع قسوة المواجهة ومن أبرز هذه الأسلحة محاربة الفساد والإهمال والمحسوبية، كونها العوامل المساعدة على اتساع رقعة الفقر في المجتمع.

تحديات أزمة السكن
إن لأزمة السكن في محافظة الديوانية أثراً بالغاً في حياة المواطنين، خصوصاً أنها تسببت بالعديد من المشكلات في داخل الأسرة الواحدة والمجتمع على حد سواء ومن مردوداتها السلبية ارتفاع نسبة الطلاق وتشتت الأبناء وزرع الخلافات بين الإخوة الذين يسكنون في بيت واحد وغيرها من مشكلات جمة، ويقول المواطن ذياب أبو شامة ماجد (جريح حرب): أنا عسكري فقدت بصري نهائياً في مواجهة الإرهاب وهذا الأمر أعده من دواعي الفخر ولكني ما زلت وللأسف الشديد بدون قطعة أرض سكنية رغم كثرة مراجعاتي إلى الدوائر ذات العلاقة طيلة الفترة الماضية مبيناً أن رغبته بالحصول على قطعة أرض يسكنها لصعوبة حياة الإيجار بالنسبة لرجل فقد بصره وحصل على نسبة إعاقة بلغت 100 بالمئة حسب التقرير الطبي.
بينما يقول رعد شلال (مدرس متقاعد): منذ 8 سنوات قدمت على قطعة أرض سكنية في محافظة الديوانية وراجعت جهات عديدة منها رئاسة الوزراء ووزارة البلديات ووزارة الهجرة كوني مهجراً دولياً ولكن لم تتوج جهودي حتى هذه اللحظة، معرباً عن أسفه لكونه بلغ من العمر 67 سنة ولم يحصل على قطعة أرض سكنية، بينما يؤكد أن غيره في العشرينيات من العمر وخصصت له قطعة أرض دون عناء، مشيراً إلى أن الحكومة المحلية التي حكمت محافظة الديوانية طيلة السنوات الماضية تفتقر إلى خطط واضحة لتوزيع قطع الأراضي السكنية رغم أنها وزعت الآلاف منها.

تحديات ضنك العيش
الذي لا غبار عليه هو أن الذين يعانون من ضنك العيش خصوصاً أصحاب الأسر الكبيرة يرون الحياة ليست كما يراها الذي يعاني من الافراط بالصرف على نفسه وأسرته، فالذين لا يجدون قوت يومهم تجدهم يعرفون جيداً مدى سلطة الفقر على الناس ويدركون ما سيكون عليه حال أفراد الأسرة عندما يعودون في المساءات دون ما يسد الأفواه، ويقول المواطن عادل عباس محمد: رغم شدة المرض الذي أصابني في العمود الفقري فأنا ما زلت أبيع (الأدعية) متجولاً في شارع الأطباء كل يوم وهذه الحركة زادت من مرضي، إذ أكد الأطباء أني إن لم أجر عملية جراحية كبرى فسوف أشل، مشيراً إلى عدم وجود الإمكانية لتوفير لقمة العيش لأفراد أسرته البالغ عددهم ٧ أفراد لذلك ترك التفكير باجراء العملية لحين قدوم الانفراجة التي لا يعرف متى ستكون داعياً الجهات ذات العلاقة إلى النظر بحالته المعيشية والصحية.
وقال المواطن عامر علي البديري: إن الفقر الذي يعيشه منذ سنوات جعله يفكر بالهجرة مع أفراد أسرته خصوصاً أنه فلاح في بساتين الآخرين ولا يدخله شهرياً غير اليسير من المال.

تحديات البطالة
إن للبطالة دورها في اتساع رقعة الفقر في المجتمعات لكونها تحول المواطن من شخص منتج إلى شخص مستهلك وهذا الأمر أخذ يتسع في محافظة الديوانية بشكل لافت للنظر، خصوصاً أنك تجد المقاهي والأسواق تعج بالمئات من الشباب صباح كل يوم وهو الوقت الذي يفترض أن يكون الجميع في أعمالهم، يقول المواطن الشاب حيدر الشرموطي: لقد تعبت من البحث عن العمل في القطاع العام، إذ باتت الوظيفة الحكومية فرصة بيد أصحاب المال والنفوذ فقط، مضيفاً: أما في القطاع الخاص فقد فشلت لعدم قدرتي على تقبل تسلط أرباب العمل وتعاملهم الفظ مع الذين يعملون تحت سلطتهم لذلك وجدت في راتب الرعاية الاجتماعية فسحة رزق لا بأس بها وفي التردد على المقاهي فرصة للراحة وقضاء الوقت، مشيراً إلى وجود الكثير من أقرانه على ما هو عليه.
أما المواطن باسم عبد الزهرة فيقول: أعمل في القطاع الخاص بصفة سائق أجرة حيث وثق بي أحد الأقارب وسلمني سيارة نوع كيا وفي مساء كل يوم أعطيه المبلغ الذي جنيته من عمل اليوم ويسلمني يوميتي التي تنتهي قبل وصولي إلى البيت، مشيراً إلى أن مشكلته تكمن في أيام تعطل السيارة.

اتساع رقعة الجريمة
لطالما ولدت الجريمة من صلب الفقر فهو في بعض الأحيان يكون والدها الذي جاء بها إلى هذه الحياة، بل إن المجرمين الذين هم الآن يقبعون داخل السجون تجد أغلبهم وقع ضحية الفقر، حيث لم يكن بمقدوره تحمل بكاء أطفاله المستمر من الجوع او لم يطق رؤية الفارق الشاسع بين أسرته وأسر الأثرياء وغيرها من فوارق الفقر والثراء، لذا انحرف بالاتجاه الخاطئ الذي أوصله إلى السجن ليخسر الثراء وأسرته في آن واحد، ويقول المواطن (غ - ظ): لقد جزعت من الفقر إلى حد فكرت بأمرين لا ثالث لهما يكمن الأول بالانحراف لكسب المال او ترك زوجتي وأطفالي في منزل الأهل والهجرة إلى خارج العراق بشكل نهائي، لذلك سرت باتجاه الانحراف دون قناعة، وماهي إلا فترة قصيرة حتى وجدت نفسي في السجن بين أعتى المجرمين، فكانت الخسارة كبيرة جداً، كوني خسرت سمعتي بين الأهل وخسرت أسرتي لولا أن رحمني الله ورحت أصلح أموري فكانت أصعب سنةً مررت بها، لافتاً إلى أنه خرج من السجن بقناعة مفادها ضرورة رفض الانسان للفقر شريطة ألا يكون هذا الرفض مبنياً على الانحراف فكونك فقيراً وأنت وسط أفراد أسرتك أفضل بكثير من كونك فقيراً وأنت داخل السجن لا تعرف ماالذي يجري لزوجتك وأطفالك الذين تركتهم يواجهون صعوبات الحياة.

العزوف عن الزواج
ومن أبرز السلبيات التي يتركها الفقر على المجتمع هو عزوف الشباب عن الزواج خشية من المستقبل المجهول، خصوصاً أنهم شاهدوا معاناة والدهم وهو يواجه صعوبة العيش، الأمر الذي يجعل الزواج بالنسبة لهم مصيدة متى ما وقعوا بها باتوا فريسة تنهشها الأيام ليمضي بهم العمر إلى منتهاه دون أن يتمتعوا بطعم الحياة.
ويقول المواطن الشاب احمد حسين: إن الفقر الذي تعيشه أسرتي منذ ولدت حتى يومنا هذا جعل والدي بين الحين والآخر يعلن ندمه على قرار زواجه مذكراً أمي بأصدقائه الذين هاجروا وبنوا حياتهم خارج العراق، مضيفاً: أن هذه الذكريات التي تتجدد جعلتني أحذف فقرة الزواج من حياتي بشكل نهائي، وعلى عكس موقف أمي التي تحلم بلحظة زفافي يأتي موقف والدي الداعم لقراري.
بينما يقول المواطن الشاب عباس المحنة: لقد رضخت لهوى قلبي وتزوجت من الفتاة التي تحبني وأحبها رغم ضعف إمكانياتي المادية ولكن بعد شهور معدودة أجبرني الفقر على العيش معها في منزل أهلها ومن ثم فشلت العلاقة وانتهت إلى الطلاق.

برنامج لدعم الفقراء
ولأن مواجهة الفقر تحتاج إلى خطط تنموية فقد شرعت الحكومة المحلية في محافظة الديوانية بتبني برنامج لمساعدة الفقراء الذين يشعرون بأن لديهم مظلومية ما، إذ يقول معاون مدير قسم شؤون المواطنين في محافظة الديوانية يحيى عبد مسلم: لقد شرعت الحكومة المحلية في محافظة الديوانية بتخصيص يوم السبت من كل أسبوع للقاء المحافظ بالمواطنين الذين يرجون طلب المساعدة المادية بسبب تردي أوضاعهم المعيشية او الصحية او غيرها من مشكلات لها علاقة مباشرة بالوضع المادي، موضحاً أن أغلب المطالب التي يتقدم بها المواطنون تتمثل بالحصول على قطعة أرض سكنية او مساعدة مادية او توفير فرصة عمل، مشيراً إلى أن البعض من المطالب يتم رفضها لكونها خارجة عن الصلاحيات، ومثال ذلك طلب الحصول على استثناءات في توزيع قطع الأراضي، مؤكداً استمرار الحكومة المحلية بمتابعة ملف الفقر بشكل عام رغم التحديات الكبيرة، خصوصاً أن محافظة الديوانية وبحسب تصنيف وزارة التخطيط تعد من المحافظات الفقيرة، وتفتقر لأي مصادر اقتصادية باستثناء طابعها الزراعي والذي تضرر مؤخراً بسبب شحة المياه لذلك تجد نسبة الفقر مرتفعة.