الألواح الشّمسيَّة تملأ أسطح المباني في لبنان

بانوراما 2023/06/04
...

 لورا دي لا كلوش
 ترجمة: ليندا أدور


لمن يستطيعون تحمل تكاليفها، تعد ألواح الطاقة الشمسية، المنتشرة على سطوح العديد من المباني في لبنان، بأسلوب حياة أكثر طبيعي وسط تذبذب وعدم استقرار في تجهيز الطاقة الكهربائية. جالسة على الأريكة مع أختها في منزلها بالعاصمة بيروت، وقد أصبح مجهزا بالكامل بالكهرباء، تعبر سونيا قسطنطين عن سعادتها وهي تشير إلى الثلاجة والغلاية الموصلتين بالكهرباء.

ففي أيلول الماضي، قررت قسطنطين، استاذة العلوم التربوية، استثمار مبلغ 6500 دولار أميركي من مدخراتها في تسعة ألواح شمسية وبطارية، تقول: "لا نبحث عن حياة الرفاهية، كل ما نريده هو العيش بكرامة"، مشيرة إلى أن هذا الاستثمار مكّنها من إلغاء الاشتراك الشهري بالمولدات الأهلية التي تعمل بالديزل: "منذ ذلك الحين، استطعت استئناف حياتي الطبيعية، وأصبح بإمكاني شحن هاتفي متى أردت". لضمان حصولها على خمسة أمبيرات فقط تكفي لتشغيل بضعة مصابيح وثلاجة، تقول قسطنطين بأنها كانت مضطرة لدفع مئة دولار شهريا كبدل اشتراك، ما يعادل ثلث مرتبها لعام 2022، بعد أن فقدت العملة الوطنية الليرة، 98 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ العام 2019.

حل غير مثالي
منذ اندلاع الحرب الأهلية العام 1975، وشبكة الكهرباء الوطنية اللبنانية تكافح من أجل تلبية احتياجات سكان لبنان بالكامل، ما دفع بالمستهلكين للاعتماد على مولدات المناطق السكنية الباهظة الثمن لسد النقص. انتهت الحرب العام 1990 لكن مشاكل الكهرباء لم تنته، اذ توقفت مؤسسة كهرباء لبنان الحكومية عن توفير الطاقة العام 2021 بأثر شح الوقود، لتغرق البلاد بانقطاع شبه شامل للتيار، استمر هذا الانقطاع، في بيروت، لأكثر من عام ونصف، تمكّنت خلاله المؤسسة من توفير الكهرباء بمعدل  3-4 ساعات في اليوم فقط.
في غمرة الأزمة، أصبحت الألواح الشمسية على أسطح المباني، بالنسبة للكثير من العوائل، بديلا عن كهرباء الشبكة الحكومية ومولدات الديزل الخاصة، وبالرغم من أنها لا تزال حلا غير مثالي، أظهرت الحالة اللبنانية قدرة الطاقة الشمسية على أن تكون مصدرا للطاقة النظيفة والمضمونة عند تعطل الأنظمة الأخرى.  
مع ذلك، في لبنان، تعد القرارات الفردية بالتحوّل إلى الطاقة الشمسية بمثابة استجابة للأزمة الاقتصادية أكثر من كونها رد فعل للتغير المناخي وتلوث الهواء. يقول بيير الخوري، مدير عام المركز اللبناني للحفاظ على الطاقة Lebanese Centre for Energy Conservation (LCEC) ، بأنه : "قبيل عام 2021، كانت العوائل تلجأ لنصب ألواح الطاقة الشمسية بدافع الحفاظ على البيئة"، مضيفا لكن في العام 2021، أصبحت وسيلة لتأمين تجهيز الكهرباء، بعد انخفاض إنتاج الشركة من 1800 ميغاواط إلى أقل من 150 ميغاواط. لكن في العام 2022، صار هذا الاختيار مدفوعا، في الغالب، من مخاوف اقتصادية بعد ارتفاع أسعار الكهرباء المجهزة من المولدات الأهلية عشرة أضعاف بالليرة المحلية. فمنذ العام 2021، تعمل المولدات الخاصة كبديل دائم، على مدار الساعة، عن كهرباء الشبكة الوطنية، اذ وفقا لمنظمة هيومن رايتس وتش، أنفقت الأسر اللبنانية، بالمتوسط، 44 بالمئة من دخلها الشهري على فواتير المولدات الأهلية للفترة ما بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022.

شريان حياة
يشير الخوري إلى أن قدرة الطاقة الشمسية المركّبة بعموم أنحاء البلاد ازدادت بمقدار ثمانية أضعاف بين عامي 2020 و 2022، فقد تم نصب أكثر من 650 ميغاواط العام الماضي وحده، ليرتفع اجمالي قدرة لبنان من الطاقة الشمسية إلى 870 ميغاواط. "ستصل القدرة المركبة إلى ألف ميغاواط في حزيران من العام الحالي،" والكلام للخوري، الذي يقدّر بأن نحو 50 ألف أسرة اليوم مجهزة بألواح شمسية على الأسطح، أي نحو أربعة بالمئة من مجموع الأسر البالغ 1.3 مليون، اذ يأمل لبنان أن يسد نسبة 30 بالمئة من احتياجاته للكهرباء من مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2030.  
حالها حال واحدة من كل خمس أسر بين أفقر 20 بالمئة من السكان، تقول ملاكي شدود (82 عاما)، من سكنة بيروت، بأنها لا تستطيع تحمل تكاليف الاشتراك بالمولدات الأهلية، ناهيك عن إنفاق المال على ألواح الطاقة الشمسية، فما كان منها الا انتظار: "تجهيز الكهرباء لساعتين في اليوم فقط". القطاع الخاص ليس ببعيد عن ذلك، اذ يواجه صعوبات مماثلة للحصول على طاقة كهربائية مضمونة، لذا نجده مضطرا للتوجه نحو الطاقة الشمسية. يقول نسيب نصر، يعمل مديرا لأحد المستشفيات، بأن مشفاه ينفق 500 ألف دولار شهريا لشراء الديزل لتشغيل مولدات المشفى الخاصة، لكن بعد استثمار نحو مليون دولار في ألواح الطاقة، قلّ اعتماد المشفى على الوقود بشكل كبير، معربا عن أمله بتغطية كل متر مربع من المشفى بألواح الطاقة، لأن بقاء المشفى قائم على ذلك.
يشير الارتفاع الهائل باستخدام ألواح الطاقة الشمسية على سطوح المباني في لبنان إلى امكانية لعبها دورا كبيرا بمساعدة الناس لتأمين توفير الكهرباء في أوقات الأزمات، فقد وفرت التكنولوجيا شريان حياة للكثيرين في ظروف تعد أقل من مثالية، لتمنح السكان ما يشبه الحياة الطبيعية، لأولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليفها على الأقل.

*موقع بي بي سي