العراق أكبر مائدة في العالم
علي غني
ربما دفعنا اليوم العالمي للغذاء إلى أن نراجع قائمة الأكل اليومية، ونراعي الأصلح ونبتعد عن المضر، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على أصحاب الدخل المحدود ولا على الأشد فقراً، فالجوع يلغي كل القوائم والقواعد عندما يحضر في أي مكان وفي أي زمان، فأنا سأتناول الموضوع من زاوية الأهم والمهم، لأن المناسبة تفرض عليك الأكل من أجل أن نبقى، لكننا سنفرض عليها (على القاعدة)، الأكل من أجل الصحة، فما هو أنسب الأنواع؟ وأندرها وأغلاها؟ ولماذا ودعنا الأكلات الخالية من التلوث والتسمم؟ وتوغلنا بالأكل الغارق بالمواد الحافظة، وما يدريك ما المواد الحافظة؟ وما نصائح أطباء التغذية للمرضى وغيرهم، دعونا نأكل معاً من دون منغصات، لأننا الشعب الوحيد الذي يفرش كل عام في أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) أكبر مائدة في العالم.
خطر الأندومي
لا أعرف لماذا لا تمنع الجهات الصحية دخول الأندومي للعراق بعد الإصابات الخطرة التي أصيب بها متناولوها، وبعضها وصل حد الموت، ووفقاً لدراسة قام بها مركز بحوث السوق وحماية المستهلك في جامعة بغداد مع الجهاز المركزي للتقییس والسیطرة النوعیة ووزارة التخطيط حول منتج "الأندومي" في العراق، كانت النتائج كالتالي: 80.8 %من طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية يتناولون الأندومي، 79.4 % من الطلاب يتناولون الأندومي مرّة واحدة في اليوم، 66 % من الطلاب يتناولون الأندومي بين الوجبات، و11.30 % منهم يعدونها وجبة أساسية، 42.3 %من الطلاب لديهم الوعي بمضار تناول الأندومي، في حين
38.1 %منهم ليس لديهم الوعي بمضار تناول الأندومي.
الغذاء الصحي
قادتني هذه المناسبة لأستريح قليلاً من معاركنا مع دوائر ومؤسسات الدولة، ومصائبها وأنواع الرشى والتعطيل، والتسويف، لنحل ضيوفاً على أطباء التغذية والزراعة الذين يلجأ لهم مرضى البدانة (السمن)، والباحثون عن الجمال والصحة، والمغيبون قصراً عن موائد الطعام من أصحاب الضغط والسكر، فلنر ما بجعبتهم، مما لا شك فيه أن وجود الإنسان واستمراريته على الحياة يتطلبان منه القيام بالعديد من الفعاليات والوظائف داخل وخارج جسمه، كما تقول الدكتورة حنان ياسين- أستاذة في جامعة بغداد، التي تحمل تخصص دكتوراه مناعة ودبلوم تغذية وهذه الوظائف بحسب قول الدكتورة (حنان) تحتاج إلى جهد وطاقة مصدرها الأول والأحسن هو الغذاء الصحي الطبيعي المتوازن. فالخالق جل وعلا شأنه عندما خلق الإنسان كانت كل السبل لخدمته ميسرة ومتاحة وأهم هذه السبل هو (الغذاء)، إذ يقول في محكم كتابه العزيز "الذي أطعمهم من جوع" ولو نظرنا إلى هذه الآية العظيمة رغم قلة عدد كلماتها إلا أنها تحمل دستوراً كاملاً عن التغذية الصحية وطريقة تناول الطعام فكلمة الطعام تعني الغذاء المتنوع وليس نوعاً واحداً محدداً كما جرت العادة عند التطرق إلى صنف محدد.
تغذية صحيحة
وتابعت (الدكتورة ياسين): هذا يدل على أن التنوع في الأصناف هو بسبب اختلاف أعضاء الجسم واختلاف وظائفها يتطلب أن يتم تجهيز كل عضو بما يحتاجه من مواد غذائية وكذلك الاختلاف بحسب الحالة العمرية للفرد والنوع والبيئة والموسم والمناخ كلها قد شملتها مفردة الطعام، والمعنى الآخر للطعام أنه يطعم أي يؤكل بمعنى أن يتم تقطيعه وطحنه ومضغه وهضمه وامتصاصه وتوزيعه بالشكل الصحيح لكل أجزاء الجسم متى ما تم على جوع، لأن حالة الجوع هي أشبه بمنبهات للعقل عن حاجة كل عضو الفعلية للمواد الغذائية التي يحتاجها لأداء عمله بنحو صحيح وقد قيل سابقاً "العقل السليم في الجسم السليم" لذلك نحن بمسيس الحاجة للعودة إلى قواعد التغذية الصحيحة من أجل إنشاء جيل واعٍ وصحي وللحفاظ على ديمومة أجسامنا وعمل أعضائها، كما لا تخفى على القارئ اللبيب أهمية الغذاء في تجديد خلايا الجسم ونضارة البشرة وتأخير الشيخوخة، فمعاً نحو غذاء صحي متنوع من موائد الرحمن التي سخرها لعباده.
قيمة الطعام
ويقول الأستاذ المساعد الدكتور مجيد حميد نوار، الأستاذ في كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد: إن الغذاء الصحي هو الذي يحتوي على جميع المتطلبات الغذائية اليومية والتي يحتاج لها جسم الإنسان في جميع مراحل حياته العمرية، فالغذاء يعد الركيزة الأساسية للصحة الجيدة والجسد الخالي من الأمراض، وفي حالات كثيرة يكون الطعام مصدرًا لإصابة الإنسان بالأمراض المختلفة، عندما يحتوي على الجراثيم والبكتيريا المختلفة، لذلك يجب الاهتمام بقيمة الطعام الغذائية.
وتابع (مجيد): أن الغرض من التعديل الوراثي للنباتات مختبرياً هو الارتقاء بالخواص المرغوبة من حيث الجودة وتحسين القيمة الغذائية والخصائص الحسية وزيادة الإنتاج لتحقيق الأمن الغذائي العالمي، إضافة إلى زيادة مقاومة النبات لعوامل البيئة والأمراض والحشرات وتحسين مقاومته للجفاف والحرارة وغيرها.
وبين: أنه قديماً لجأ العلماء إلى التلقيح والتهجين والطفرات الوراثية لتعديل وتغيير خصائص النباتات وبمرور الزمن وتطور البحث العلمي ومن خلال تطبيقات التقنيات الحيوية والهندسة الوراثية تمكن العلماء من عزل الجينات واستخدام طرق تقنية دقيقة لتعديل وتركيب الجينات ونقلها من نبات لآخر ومن كائنات حية غير نباتية. مثلاً نقلت جينات مسؤولة عن إنتاج بروتينات من البكتيريا إلى الذرة لزيادة مقاومتها للحشرات، ونقلت جينات للفواكه لتحسين مذاقها وتحسين خصائص الجودة فيها والخزن، ونقلت جينات لتحسين خصائص البندورة وتحسين خزنها لمدة أطول مع الاحتفاظ بنضارتها، وكذلك تم نقل الجينات المسؤولة عن وجود الحوامض الدهنية المشبعة في الزيوت النباتية لتقليلها للتوصل إلى أغذية صحية أكثر.
لذلك (والكلام للدكتور مجيد): فإن الهيئات الصحية العالمية والكثير من العلماء انتقدوا وعارضوا الأبحاث الخاصة بإنتاج الأغذية المعدلة وراثياً، محذرين من مخاطرها، وانتقدوا الحكومات التي لا تسن القوانين والتشريعات الخاصة بالأغذية المعدلة وراثياً وتوضيح ذلك للإنسان أو المستهلك عالمياً، وتستخدم دول عديدة وكثيرة التقنيات الحيوية لإنتاج الأغذية والنباتات المعدلة وراثياً، والبعض منها يُستخدم كمواد خام لإنتاج مواد غذائية أخرى كزيوت القلي مثلاً من الصويا أو الذرة، والجزء الأكبر منها يستخدم كأعلاف للحيوان.
الغذاء المتوازن
بينما رأت الدكتورة ايناس عبد الهادي حسين الأستاذة في جامعة بغداد/ أحياء مجهرية، أن الغذاء الذي نحتاجه يجب أن يكون صحياً، لأن النظام الغذائي يؤثر في طاقة وأداء الجسم لوظائفه بنحو صحيح.
ويعد تناول الغذاء الصحي المتوازن والمحتوي على جميع العناصر الغذائية أمراً مهماً جداً، نقصد بذلك الغذاء الذي يحتوي على الفواكه والخضراوات الطازجة ويجب أن نبتعد عن الأغذية المعلبة وغير الغنية بالعناصر الضرورية لبناء الجسم، لأن الأغذية تختلف فيما بينها بالنسبة لدرجة تلوثها بالأحياء المجهرية تبعاً للشروط الصحية التي أتبعت في إنتاجها وتعبئتها وتسويقها.
وواصلت الدكتورة ايناس حديثها إذ قالت: إن الأحياء المجهرية تسبب تلف الغذاء وانتقال الأمراض إلى الإنسان وحدوث حالات التسمم الغذائي بحسب نوع البكتيريا التي تسبب التسمم، لذلك فإن الأغذية المحملة بأعداد هائلة من الأحياء المجهرية يكون تلفها أسرع مثل الأغذية السكرية لذلك يجب السيطرة على مستوى الأحياء المجهرية في الأغذية حتى تكون آمنة عند استهلاكها من قبل الأشخاص.
وعليه تكون صحة الغذاء ضرورية لصحة الإنسان وبالتالي الارتقاء بمجتمع سليم وخال من الأمراض من خلال الاهتمام بصحة الغذاء.
كثرة مضرة
وربما حسمت المدرسة المساعدة دعاء عادل قاسم في حلقتها النقاشية التي أقامتها في مركز بحوث السوق وحماية المستهلك عندما بينت إيجابيات وسلبيات المواد المضافة إلى الأغذية، إذ تعد المواد المضافة إلى الأغذية مواد كيميائية أو صناعية تضاف إلى الأطعمة بهدف حفظها من التلوث من عوامل الفساد الحيوية والكيميائية وتحسينها من حيث الشكل واللون والمذاق، إضافة إلى تعزيز القيمة الغذائية لها، ولكن كثرة استخدام هذه المواد وخصوصاً المضافات الكيميائية سيؤدي إلى ظهور أضرار صحية للمستهلك، ومنها ظهور الحساسية الجلدية والصدرية، وكثرة الحركة والنشاط عند الأطفال، إضافة إلى حدوث طفرات وراثية قد يسبب بعضها أوراماً سرطانية وتأثيرها على الجهاز العصبي والمخ وبعض الأنشطة الانزيمية في الجسم.
وقدمت الباحثة (دعاء) نصائح بتقليل استهلاك الأغذية المحتوية على المضافات الغذائية الصناعية واستبدالها بمواد وأغذية طبيعية كي يحمي المستهلك نفسه من ضرر هذه المضافات، وذلك عن طريق شراء الأغذية المحتوية على أقل نسبة من هذه المضافات من خلال قراءة البطاقة الإرشادية الموجودة على علبة المنتج الغذائي، وتجنب الأغذية ذات المضافات الغذائية الأكثر ضرراً، واستبدال الأغذية التي تحتوي على كميات كبيرة من الألوان بأغذية خفيفة معدة في المنزل بقدر الإمكان.
تجارب أكاديمية
وهذه الأستاذة الدكتورة أميرة الربيعي عميدة علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، تفتخر بمنتوجات كليتها، فهي خالية من المواد الكيميائية، وبعيدة جداً عن الغش، فهنا مصانع تلزم بكل ما هو رخيص ونظيف، ولدينا تجارب في صناعة كل شيء وبضوابط يشهد لها التقييس والسيطرة النوعية، لأن أغلب أساتذتنا ممن حصلوا على براءات اختراع بشتى التخصصات والأصناف الغذائية، وبأدق التفاصيل للوصول إلى صناعة غذائية متطورة.
واختتم (بالبروفيسور محمد شاكر محمود الخشالي) معاون العميد لشؤون الطلبة في كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، الذي يعد صاحب فكرة تربية الأسماك في حقول الرز ويشرف على العديد من رسائل وأطاريح الدراسات العليا عن موضوع جديد هو تربية الأسماك في حقول الرز، التي تعد التجربة الأولى في العراق التي ستسهم في تطوير نوع الغذاء في العراق، وهو يكشف لنا عن تجربة صديقة للبيئة وصحية لكنها تحتاج إلى دعم من الحكومة، وسيكون لنا وقفة عن التجارب الجديدة لتطوير وتحسين الغذاء في العراق.