المصريون القدماء وروعة تحنيط الموتى

بانوراما 2023/06/06
...

 سامانثا فرانكو
 ترجمة: شيماء ميران


تعد عملية التحنيط من الأمور الرئيسية التي غالبا ما ترتبط بالمصريين القدماء، فهم يعتقدون أن الحفاظ على  الجسد هو أفضل طريقة لضمان استمرار وجود الروح في الحياة الآخرة. ورغم أن عملية التحنيط لم تكن سهلة وقد تستغرق إلى حد سبعين يوما لاتمامها، فإن إزالة الأعضاء الداخلية وتعقيم الجسد بالحامض ولفه بالكامل بالأربطة يحتاج إلى مهارة ومعرفة.
لذلك ساعدت دراسة اُجريت حديثا على تحديد أن المُحنّط القديم لديه معرفة وخبرة كبيرة بالتأثيرات الكيمائية للتحنيط أكثر مما كان يُعتقد سابقا.

اكتشاف ورشة تحنيط قديمة
في العام 2016، استطاع الباحثون من العثور على ورشة تحنيط قديمة في مقبرة سقارة المشهورة بكنوزها كأرض مدافن قديمة. في موقع البحث، هناك العديد من المساحات فوق السطح الجاهزة للاكتشاف، غير أنه هناك المزيد تحت الأرض، حيث تم اكتشاف محور يمتد نحو الأسفل وصولا إلى غرفة التحنيط، وهو المكان الذي تتم فيه المراحل الأخيرة من عملية تحنيط الموتى.
تمكن الباحثون، من خلال المعاينة الجيّدة لورشة التحنيط، من جمع المزيد من التفاصيل عن عملية التحنيط. ويعود تأريخ هذه الورشة إلى 2500 عام، وتضم تفاصيل مهمة أخرى عن المواد القديمة ذُكرت بالتفصيل في دراسة نُشرت في صحيفة "نايجر" العلمية، خصوصا وجود إحدى وثلاثين جرة مصنوعة من السيراميك.

مخلفات كيمائية ونقوش
كان اكتشاف الجرار الخزفية مكمّلا لفهم عملية التحنيط القديمة، إذ لا تزال تحتوي على آثار مواد كيمائية كانت مستخدمة في السابق. ومن خلال تحليل البقايا، تمكّن الباحثون من تحديد أنواع المحاليل والوصفات المستخدمة للحفاظ على أجساد الموتى لآلاف السنين.
كانت الجرار مطرّزة بنقوش مصرية قديمة، تُشير إلى المحتويات المحفوظة فيها، أو لأي غرض كانت تُستخدم. على سبيل المثال، عبارة مثل "للغسل" أو "لوضعه على الرأس". تقول "سوزان بيك"، أحد المساهمين في كتابة الدراسة: "يمكن اليوم ربط الجرار المنقوشة بمواد معينة ومزيج من المواد التي لم تكن معروفة من قبل."
كانت الجرار تحتوي على مواد مثل الزيوت العطرية أو المطهرة أو النباتية، والقطران والراتنجات والدهون الحيوانية، وغير ذلك.
تمكن الباحثون، من خلال مقارنة محتويات الجرار مع النقوش المحفورة عليها، من ايجاد تعريفات بديلة لمصطلحات مصرية مثل "سيفت –Sefet"، و" أنتيو- Antiu"، حيث يبدو أنها تحدد خلطات معينة من المكوّنات في هذا السياق. وتوضح "بيك" قائلة: "لقد تم اكتشاف منتجات غريبة جدا مثل راتنج شجرة "دمر" أو زيت "إليمي"، والتي يعود أصلها إلى الغابات المطيرة في آسيا وأجزاء محددة من أفريقيا
فقط."

ماذا يعني للباحثين؟
اليوم، أصبح لدى الباحثين فهم أعمق لعملية التحنيط. تقول "سليمة إكرام"، أستاذة علم المصريات بالجامعة الأميركية بالقاهرة، التي لم تشارك في الدراسة: "هذا الامر يمنحنا نظرة ثاقبة عن عملية التحنيط بأكملها، من التخطيط والتنفيذ، التي لم تكن متوفرة لدينا حتى
اليوم."
وتواصل إكرام مخمّنة: "أن حقيقة كون شيء ما قوامه مادة صمغية، أو زيت ما يستخلص من نبات، كانت تتم المتاجرة به يعد أكثر إثارة، لأنه كما هو معلوم للكل، كيف تسنى للناس معرفة رغبتهم بهذه الحاجة؟ هل هذه المادة تمتلك خصائص فريدة غير موجودة في المواد الأخرى التي يمكن العثور عليها في حوض البحر الابيض المتوسط أو القرن الافريقي؟ وأشارت إلى أن التجارة بتلك المواد يصاحبها نقل للمعرفة بين الممارسين القدامى للطب والكيمياء."
وتقول "جوان فليتشر"، عالمة الآثار في جامعة يورك التي لم تشارك في الدراسة: "الأمر يشبه آلة الزمن، حقا، فقد سمحت لنا بعدم رؤية ما يفعله المحنطون القدامى فقط، بل والوصول لأقرب نقطة يمكن الوصول إليها في أي زمن."  كما أثبت الاكتشاف أن المصريين القدامى كان لديهم إدراك متطوّر للغاية بالمواد الكيميائية المستخدمة أثناء عملية التحنيط أكثر مما كنا نظن في الأصل، كما إن الوصفات المختلفة والأهداف المرجوة منها توضح الفهم العميق لتأثيرات المواد الكيميائية على جسم الانسان.

عن موقع ذا فينتج نيوز