علي حسن الفواز
تعيش منطقتنا العربية كثيراً من التوترات السياسية، والصراعات التي تكشف عن صراع واقع مُعقّد، وعن تصوراتٍ تستدعي البحث عن «نظام إقليمي» جديد، له هويته الأمنية والجيوسياسية، لمواجهة معطياتٍ لم تعد قابلة للإخفاء، وغير صالحة للمناورة، لأنَّ ما يحدث في المنطقة من أزماتٍ، ليس بعيداً عن ما يُناظرها من صعوبات قارّة في الواقع السياسي، وفي طبيعة العلاقات العربية/ الإقليمية / الدولية، والتي تدفع الدول إلى مراجعة حساباتها، وإلى البحث عن مصالح شعوبها، لاسيما في ظل تحديات ستراتيجية تواجهها تلك الدول، وتدعوها إلى اتخاذ مواقف وإجراءات استثنائية.
الحديث عن ذلك «النظام الإقليمي» في المنطقة، ليس بعيداً عن تلك الصراعات الكبرى، ولا عن الحاجة إلى خيارات عقلانية، تؤطر سياسة البحث عن التوافقات، وترسيم آفاق عملياتية للتعاون والتواصل، وهو ما يحدث الآن، على مستوى التنسيق بين الدول المُصدّرة للنفط في «أوبك بلاس»، وفي إجراءاتها الخاصة بسقوف الإنتاج، وتحديد الأسعار، وعلى مستوى ما ورد في بيان قمّة جدّة، الخاص بإعلان إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ومواجهة «الفوضى الإقليمية» وكذلك على مستوى إنضاج الترتيبات التي أسهمت في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، فضلاً عن السعي إلى ايجاد تأطيرات سياسية، يمكن أن تضمن إعادة العلاقات السياسية بين مصر وإيران، والتي ستُسهم في إيجاد حلول واقعية لمعالجة مشكلات السياسة في المنطقة، ذات البُعد البيني كما في العلاقات المتدهورة بين الجزائر والمغرب، أو في معالجة الأزمات ذات البُعد الصراعي الأهلي، كما في أزمة اليمن، وأزمة لبنان، وأزمة ليبيا، وأزمة السودان وغيرها.
النظام الإقليمي لا يعني توصيفاً لخندق سياسي أو عسكري مُحدَّد، بقدر ما يعني البحث عن خطوط مشتركة بين الدول، وعلى وفق رؤى تحكمها المصالح والحسابات الطوبوغرافية، والهواجس العامة، والتي تفترض القيام بجملة من الإجراءات التي تخصّ ربط هذا النظام بسياسات وسياقات عمل تضمن حماية المنطقة، وإبعادها عن سياسات الخنادق الكبرى، كما يحدث في الصراع الغربي الروسي والتعاطي مع تداعياته، على مستوى مواجهة أزمات الطاقة والغذاء والمُناخ والأمن، وعلى مستوى مواجهة موجات المهاجرين واللاجئين، إذ تُعد منطقتنا من أكثر مناطق العالم عُرضة لصدمات التغيُّرات الجيوسياسية، وانعكاسها على طبيعة هجرات اللاجئين إلى أوروبا.