التصحر يقضم المساحات الخضراء

ريبورتاج 2023/06/08
...











 موج علي حسين
 تصوير: خضير العتابي


بلد نشأت حضارته على ضفاف نهري دجلة والفرات، مهدد اليوم بموجة جفاف هي الأشد في تاريخه، فالتقرير الأممي الأخير، الذي صنف العراق ضمن أكثر خمس دول في العالم تأثراً بالتغير المناخي، يعكس حجم الأزمة التي تهدد سكان هذا البلد، وما تلاها من تصريحات بأن العراق ربما سيفقد نهريه بشكل نهائي بحلول العام 2040.
فهل أن الإجراءات التي اتخذها العراق لمواجهة التغير المناخي، ترتقي إلى خطورة هذه الظاهرة؟.
حقوق لا بد منها
الخبير البيئي تحسين الموسوي، يجيب عن هذا التساؤل، قائلاً: إن "تفاقم هذه الأزمة يعود إلى تجاهل العراق للتحذيرات، والاكتفاء بإعداد الدراسات وتحديد المشكلة، دون أن تكون هناك إجراءات على أرض الواقع لمعالجة الأزمة".
ويضيف أن "الموقف المائي للعراق بات اليوم حرجاً، بعدما استنفد خزينه، وأضحت الخزانات شبه خالية، بينما دخل الموسم الرابع على التوالي بمرحلة الجفاف".
وتابع الموسوي أن "الوقت حان لتدويل ملف المياه مع دول الجوار، بعد فشل المفاوضات طيلة 50 عاماً، الأمر الذي يتطلب الضغط على الجانب التركي، وكسب الدعم الدولي للحصول على الحقوق المشتركة من المياه".
وحذر الخبير البيئي من أن العراق سيواجه صيفاً قاسياً في هذا الموسم، وأن خطر الجفاف سيزداد خلال السنوات المقبلة، ما لم يتم إيجاد حلول ترتقي إلى مستوى هذا الخطر.
وفي آخر تقرير دولي مشترك، أقرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي، بأن العراق من أكثر دول العالم تأثرًا بتغير المناخ، وهو ما يستدعي مواجهة تبعات الأزمة.
وذكرت المنظمتان الأمميتان في تقريرهما أن العراق يعتبر من أكثر دول العالم تأثرًا بالتبعات الناجمة عن تغير المناخ، ما يعني أن الزراعة في البلاد قد تكون عرضة لأجواء متطرفة صيفا وشتاءً".
ونقل التقرير عن ممثل برنامج الأغذية العالمي في العراق علي رضا قريشي قوله إن "العراق لا يزال من أكثر البلدان تأثرًا على مستوى العالم بالآثار الضارة لتغير المناخ، وما لم يتم تنفيذ التخفيف والتكيف، فقد لا يكون المستقبل واعداً للمزارعين والفئات الهشّة في هذا البلد"، مشدداً على أهمية أن تتخذ حكومة العراق والمجتمع الدولي، إجراءات جادة على الفور لاعتماد أنظمة غذائية ذكية مناخيًّا وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل من أجل ضمان أن العراق وأفراده قادرون على التكيّف في هذه الأوقات العسيرة".
كما دعا التقرير، الحكومة العراقية والجهات المختصة إلى تبني أنظمة زراعة وريّ ذكية تتواءم مع المخاطر التي يتعرض لها القطاع الزراعي في البلاد بسبب التغير المناخي.

الأهوار عرضة للجفاف
آثار التغير المناخي لم تقتصر على مياه دجلة والفرات فحسب، وإنما امتدت لتشكل خطراً على الحياة في الأهوار التي تمثل أحد المواقع المدرجة على لائحة التراث العالمي.
ويقول الناشط البيئي، المهتم بشؤون الأهوار رعد حبيب الأسدي: إن مناطق الأهوار شهدت في المدة الأخيرة موجة جفاف كبيرة نتيجة التغير المناخي وشح المياه.
وأضاف في حديثه لـ (الصباح) أن موجة الجفاف تركت آثارها على مجمل الحياة في الأهوار، وسكانها الذين يعتمدون في معيشتهم بشكل مباشر وغير مباشر على الأهوار، إذ يمارسون مهنة صيد الأسماك وتربية الجاموس.
كما أن الجفاف – والحديث للأسدي- ألحق الضرر بالتنوع الاحيائي، وبات يشكل خطراً يهدد الثروة السمكية التي تزخر بها مناطق الأهوار.

أزمة دول المنبع
وزارة الموارد المائية، وعلى لسان المتحدث باسمها خالد شمال، حمّلت دول المنبع المتمثلة بتركيا وإيران، مسؤولية الضرر الذي لحق بالعراق جراء شح المياه.
وبين أن "سياسات دول الجوار المائية التي قامت بتنفيذ مشاريع السدود الكبرى والاستصلاح، وتغيير وتحويل بعض مسارات الأنهر، ألحقت الضرر الكبير على العراق، متجاهلة حقوقه التاريخية من إيرادات نهري دجلة والفرات".
ويشير شمال، إلى وجود ثلاثة عوامل أساسية لحل هذه الأزمة، تتمثل بضمان حق العراق بالحصول على حصته من دول الجوار المائي، واستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة، باعتبار هذا القطاع يستهلك أكثر من 70 بالمئة من مجمل الإيرادات المائية، إضافة إلى الحاجة لبرامج تثقيف وتوعية بشأن تقنين وترشيد استهلاك المياه.
كما بين الحاجة إلى تخصيصات مالية إضافية لإقامة مشاريع لتعزيز الإيرادات المائية، مؤكداً في الوقت نفسه أهمية إيجاد مبادرة وطنية لزراعة النخيل والأشجار، من أجل التخفيف من آثار التغيرات المناخية، والحفاظ على الغطاء النباتي.

حلول بانتظار الموازنة
تقول وزارة الزراعة إنها تمتلك الحلول للتخفيف من آثار التغير المناخي، بانتظار إقرار قانون الموازنة.
وكشف المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، عن أن خطط الوزارة لمواجهة التغير المناخي، "تقوم على أساس استخدام تقنيات الري الحديثة والمكننة الزراعية التي تسهم في ترشيد استهلاك المياه وتقنينها إلى أقصى درجة ممكنة، بما يمكنها من ديمومة الإنتاج الزراعي".
وفي هذا الصدد، أشار الخزاعي إلى وجود تحرك مع عدة دول وشركات لإقامة معامل لإنتاج المرشات بما يسهم بترشيد الاستهلاك إلى أدنى حد.
وأضاف أن الوزارة بادرت إلى اتخاذ إجراءات عملية تتمثل بتقديم قروض للفلاحين دون فوائد سيتم اطلاقها حال اقرار الموازنة، ويتم سدادها على مدار خمس سنوات، إضافة إلى إعفاء المستوردين من الرسوم الجمركية.
وأكد المتحدث أن "هناك تنسيقاً عالي المستوى بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، في ما يخص إعداد الخطط الزراعية التي تنفذ على أساس كميات المياه المتوفرة من الخزين المائي، والتي يتم في ضوئها إعداد خطط الاستزراع الصيفية والشتوية، وتثبيت الأحزمة الخضراء حول المدن وتوسعتها".
وأشار إلى الأضرار التي خلفتها عمليات تجريف المساحات الخضراء حول المدن، نتيجة الزحف السكاني والتجاوز على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مدن سكنية، والتي تسببت بتفاقم الأزمة، لكن القرار الأخير لمجلس الوزراء القاضي بحصر التجاوزات ومنع تجريف الأراضي الزراعية، ومحاسبة المخالفين، من شأنه أن يسهم في كبح التجاوزات، ويمثل نقطة الشروع نحو إنشاء أحزمة خضراء جديدة حول المدن من أجل إعادة الحياة إلى هذا المشروع، وما سينعكس عنه من نتائج إيجابية في واقع الصحة والبيئة والزراعة.

الإصلاح البيئي مسؤولية جماعية
الإصلاح البيئي الذي تبنته الحكومة في منهاجها الوزاري، هو مسؤولية مشتركة بين جميع الجهات القطاعية، على حد وصف وزير البيئة المهندس نزار آميدي.
ودعا الوزير في هذا الصدد، جميع مؤسسات القطاع العام والخاص والمجتمع المدني إلى أن يكونوا شركاء في إصلاح الأرض من التحديات البيئية وآثار التغيرات المناخية التي يواجهها العالم، من أجل تنفيذ مضامين وثيقة المساهمة الوطنية الخاصة بمواجهة آثار التغير المناخي والاصلاح البيئي في العراق".
وبحسب الوزير، فإن "قطاع البيئة يمتلك خصوصية كبيرة لأن تحسين الواقع البيئي لا ينحسر بالدور الحكومي فقط وإنما هناك مسؤولية وأدوار مهمة يجب أن تتحملها مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني والجهات ذات الصلة بتعميق الوعي البيئي".
وشدد الوزير على أن "الحكومة تولي المشاريع البيئية أهمية كبيرة، بما يسهم بالانتقال إلى المرحلة الحقيقية للإصلاح البيئي، والذي يأتي انسجاماً مع خارطة الطريق التي حددتها فقرات وثيقة المساهمة الوطنية التي صادقت عليها الأمم المتحدة".
وينص المنهاج الوزاري لحكومة محمد شياع السوداني في موضوع الزراعة والموارد المائية على "إيلاء التغير المناخي وانعكاساته على البيئة في العراق من جفاف وتصحر الأهمية في علاقات العراق الخارجية، والتعاون مع دول العالم والمنظمات الدولية ومؤتمر المناخ العالمي وتخفيف الضرر الذي لحق بالعراق جراء ذلك".