سِوالف الأحزان بين البداية والنهاية

ثقافة شعبية 2023/06/08
...

 أمين قاسم الموسوي

تلك هي سوالف ريسان الخزعلي، والسالفة حكاية قصرت أم طالت، عمودها السرد، وهذه السوالف تقطر حزناً، إِذ ثمة جمال مضى وانقضى،
و(لا النافية) ذئب يفترس مظاهر الحب والجمال، والسوالف تترى : (سوالف .. سوالف .. سوالف)، وهذا التكرار يجعلها صعبة الأحصاء لتعددها ، وآلة العَدّ (الأصابع) محدودة ، ولذلك فهي: (ما تكفي العد) فكأن السوالف تنهمر على الشاعر :

(ممطره او غيمي امرادف ...
شَرِدَّنْ يا مطر يا غيم أسد مايَهْ ..؟!)
 ترى ما الذي أمطرتْه تلك الغيوم المتراكمة ؟ تقفز الصورة الشعرية لتجيب  إِنه مطر الأحزان والآلام والخيبات :
(لاكسرة مشط، لاخصلة شَعرْ لا شِقّه ابرفيف أحمرْ) تتوإلى اللاءات ملقية بظلال لونها الاسود ، على كل رفیف نور، فكل (لا) صعقة تحيل ملامح الجمال حطاما :
 (لاحِس تراچي ابصفكة گلاده....
لافتحة صدر بيها الگمر يعثر) ، فهذه الصور بمجسداتها المادية (فتحة صدر، تراجي ، كلادة) تضع المتلقي في ما اعتاد عليه، وخيال الشاعر باستعاراته يحلق عالياً فجعل، الكمر يتعثر، والتراجي تميل طرباً على ايقاع صفكة (كلادة) ، ويعود الشاعر بعد هذا إلى صور من الماضي واندفاعات المراهقة الجميلة الطائشة الماطرة باللذائذ
والمغامرات :

(لاوكفة سطح .... لا نَگره على الشباج)
وتمطر الخيبات متنقلة من حالة إلى أخرى، راسمة (لا النافية) غولاً يدمر ويمتص كل أمل أخضر، وهكذا يبني الخزعلي ممسكاً بخيط إبداعه الذي يشد البداية بالنهاية ، فالمطلع:سوالف ... سوالف ...سوالف... ، تكرر ثلاثاً، ثم تأتي ثلاث لاءات نافيات في الختام، وكأن كل (لا) كفيلة بافتراس (سالفة) ، فليس ثمة أمل ، إذ كل ما في الأطار سواد في سواد في سواد ، حتى صار الأبيضُ أسود:
(أسود ماي المرايَةْ)، هذه هي ضربة الفرشاة الأخير التي شدت، بين البداية والنهاية.
قد يلوم بعضُهم الخزعليَّ على لائه النافيةَ المتوحشة، ناسياً أن لحظة الخلق الشعري، فرضت نفسها فلونت اللوحة بما يكتنز به قلب الشاعر، حتى أطلقها جمرةَ إبداع لا ولن تخبو نارها، فيها (لا) تغولت فنفت كل ما يهوى
القلب .